هل يصبح وزير التعليم العالي كبش فداء لتراجع النزاهة البحثية؟!د. ثابت المومني

في خطوة جريئة وغير مسبوقة، أفصح معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة، عن واقع مقلق يهدد منظومة البحث العلمي في الجامعات الأردنية، حين أشار بوضوح إلى أن عددًا من الجامعات قد وصلت إلى “حد حرج” فيما يتعلق بمستوى البحوث التي تُقدّم من قبل أعضاء الهيئة التدريسية.

وقد قوبل هذا التصريح (رغم صدقه وضرورته) بهجمة واسعة من جهات وأشخاص حاولوا التقليل من شأنه أو حتى مهاجمة الوزير شخصيًا، وكأن المطلوب من الوزير أن يغض الطرف عن الخلل، ويستمر في مجاراة الخطاب التقليدي المجامل، الذي طالما غلّف واقعنا التعليمي بهالة من الوهم.

لكن ما كشفه الوزير ليس إلا غيض من فيض, فالحقيقة المُرّة التي يعرفها كثيرون وتُقال لأول مرة من مسؤول تربوي رسمي، أن عمليات سرقة البحوث والتحايل في إعدادها أصبحت ظاهرة تتنامى بصمت منذ سنوات، تحت أعين الجميع.

لقد انتشرت ظاهرة إعداد البحوث الجاهزة من قبل مراكز تجارية متخصصة، تُقدَّم مقابل أجر، وتُباع لعشرات الأساتذة والباحثين ممن يفترض أن يكونوا قدوة في النزاهة الأكاديمية.

وهناك من يتطوع بكتابة البحوث لرئيسه أو مسؤول في جامعته أو مؤسسته البحثية او الرسميه ، طلبًا للرضا أو المنفعة، بل ووصل الأمر إلى أن يُنجز بعض العاملين في نفس المؤسسة البحوث نيابة عن زملائهم مقابل مردود مادي مباشر!.

هذه الممارسات، التي نعرفها جميعًا، لا يمكن أن تُخفيها الأرقام أو تُبررها الشعارات هي التي عصفت بمستوى التعليم العالي في الأردن حتى تراجعنا، بكل أسف، من مصاف الدول المتقدمة أكاديميًا، لنقف في طوابير الدول التي تُصارع لحماية الحد الأدنى من الجودة والاعتماد.

ولذلك، فإنني ككاتب واكاديمي وتربوي اعتبر تصريح الوزير لا يُعد خروجًا عن النص، بل هو إلقاء ضوء على جرحٍ طال إخفاؤه.

وبدلًا من أن يُشكر المحافظه على شجاعته، نجد من يسعى إلى جعله “كبش فداء” يُضحّى به، فقط لأنه تجرأ وسمّى الأشياء بمسمياتها.

وفي المقابل، فاننا نسأل بصوت مرتفع ، هل من المعقول ان نحارب من يفضح التزوير والتخلف وسرقه الابحاث، أم نحاسب من يمارسه؟.

إن ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من التجاهل أو التبرير، بل وقفة وطنية حقيقية لإعادة ضبط البوصلة، وإعادة الاعتبار للنزاهة الأكاديمية، ومحاسبة كل من أضرّ بصورة جامعاتنا، لا من كشف الخلل وسعى إلى الإصلاح.

لقد فتح الدكتور عزمي محافظة “عشّ الدبابير”، وربما نكون بحاجة إلى من يقف إلى جانبه، لا من يتركه وحيدًا في وجه معركة كانت لا بد أن تُخاض منذ زمن.