الإنجاز الأكاديمي لا يُقابل بالتجريح… بل بالدعم والتقدير..أ.د. زياد ارميلي / أستاذ جامعي/كلية علوم الرياضه/الجامعه الاردنيه

 

في خضم النقاش الدائر حول التعليم العالي في الأردن، جاء تصريح وزير التعليم العالي الأخير بشأن “الإنفاق غير المبرر” من قبل الجامعات على التصنيفات العالمية، مقابل تراجعها في مؤشر النزاهة البحثية، كصدمة غير مبررة للعديد من الأكاديميين والمهتمين. ففي الوقت الذي تُسجل فيه مؤسساتنا الأكاديمية، وفي مقدمتها الجامعة الأردنية، تقدمًا ملموساً في المؤشرات الدولية وهو ما توج مؤخرًا بوصولها إلى المرتبة 368 عالميًا في تصنيف QS – يفاجأ الشارع الأكاديمي بتصريح يقلل من هذا الإنجاز، ويوحي ضمنًا بسوء تقدير أو أولويات خاطئة.

لكن الحقيقة أن ما تحقق، خصوصًا في مجال البحث العلمي والتطوير الأكاديمي، لم يكن صدفة، ولا نتيجة إسراف غير مبرر، بل هو ثمرة جهود ممنهجة بذلتها الجامعة الأردنية ممثلة برئيسها والكادر الإداري ومثيلاتها، في ظل موارد محدودة، وضغوط مالية وإدارية لا تخفى على أحد. لقد عملت هذه الجامعات ضمن بيئة تحفها التحديات، واستجابت بمرونة ومسؤولية لتوجهات الدولة التي طالما شددت على أهمية تحسين مواقع الجامعات الأردنية في التصنيفات العالمية.

وإذا كانت الحكومة، ممثلة بوزارة التعليم العالي، قد جعلت من “تحسين التصنيف” هدفًا معلناً خلال السنوات الماضية، وضمنته في خططها واستراتيجياتها، فكيف يمكن الآن، عند أول اختبار نقدي، أن توجًه أصابع اللوم إلى الجامعات وحدها؟ وأين كانت الوزارة – بوصفها الجهة الرقابية والتشريعية العليا – من سياسات الإنفاق الأكاديمي والبحثي؟ وكيف غاب عنها مؤشر النزاهة حين بدأ بالتراجع، إن صح ذلك؟

الوزير، بصفته “الرجل الأول” في قطاع التعليم العالي، يتحمل كامل المسؤولية عن اختلال السياسات إن وجدت. فدوره لا ينحصر في إدارة الوزارة، بل في وضع السياسات العامة للتعليم، ومراقبة الأداء، وتوجيه الجامعات نحو مسارات تنموية واضحة ومستقرة. وإن كان هناك قصور في جانب النزاهة، فإن أول من يجب أن يُسأل هو من صاغ السياسات، لا من اجتهد ضمنها.

الجامعات الأردنية، وفي مقدمتها الجامعة الأردنية، لم تكن تتصرف في فراغ. إن كل دينار أُنفق لتحسين الترتيب الأكاديمي كان في إطار استجابة لمطالب رسمية، وكان يسوّق لاحقاً على أنه “نجاح وطني” في المؤتمرات والتقارير. فكيف يتحول هذا “النجاح” إلى موضع إدانة بمجرد تغير اللهجة أو تبدل الأولويات؟

إن الحديث عن النزاهة الأكاديمية لا يجب أن يكون رد فعل مؤقتًا، ولا شماعة تعلق عليها إخفاقات متراكمة. بل هو مسؤولية مشتركة تتطلب إصلاحاً حقيقياً في البنية، وتحفيزًا لأخلاقيات البحث العلمي، وتطويراً في أنظمة التقييم والترقية. لكن هذا لن يتحقق إذا ظل الخطاب الرسمي متناقضاً، تارة يشيد، وتارة يحمّل اللوم.

إن الدفاع عن الجامعات الأردنية اليوم، ليس تعصباً لها، بل إنصاف لجهودها في مواجهة ظروف صعبة، وموقف وطني من أجل استمرارية مشروع التعليم والبحث في بلد لا يملك ترف التراجع. فهذه الجامعات ما زالت تخرج الكفاءات، وتنتج البحوث، وتحافظ على حضور إقليمي محترم، رغم ما تعانيه من نقص الموارد وتعدد التدخلات.

لذلك، فإن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح اليوم هو: هل فشل التعليم العالي سببه الجامعات التي التزمت بتوجهات الدولة؟ أم السياسات المتضاربة التي أُدير بها هذا القطاع؟
وهل نحتاج إلى مزيد من النقد، أم إلى شراكة حقيقية في الإصلاح، تبدأ من أعلى الهرم؟

إننا لا نرفض النقد الموضوعي، لكننا نرفض أن تحمّل الجامعات وحدها نتائج نموذج كانت تنفذ فيه التوجيهات، لا تصنعها. فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالمسؤولية المشتركة، لا من توزيع اللوم.