عانس””حنين البطوش

استشارية نفسية أسرية وتربوية

في مجتمعات ما زالت تقيس إنجاز الفتاة بتاريخ زفافها، يتحوّل الزواج من علاقة قائمة على الشراكة والاختيار، إلى محطة قسرية ينبغي الوصول إليها في “الوقت المناسب”، وإلا… تصبح الفتاة “متأخرة”، في أعين الناس لا في مقياس الزمن.

تتردد على مسامعها عبارة: “متى نفرح فيكِ؟” حتى تفقد فرحتها بذاتها، ويغدو الزواج لا بوابة حب، بل طوق نجاة من نظرة المجتمع، وما أن يتأخر هذا الحدث، حتى تتعرض الفتاة – مهما بلغت من علم أو نجاح – لوصمة “عانس”، وكأنها سلعة اقتربت من تاريخ الانتهاء!

لكن “العنوسة” ليست حالة بيولوجية أو تشخيصًا طبيًا، بل وصمة اجتماعية لا أصل لها، يطلقها من اعتادوا إصدار الأحكام، لا من فهموا جوهر الإنسان.

تحت ضغط هذا الخوف، تبدأ الفتاة تقنع نفسها بأي فرصة، بأي اسم، بأي يد تطرق الباب… لا حبًا في الشريك، بل هربًا من اللقب، فتمضي نحو زواج لا ينبع من اقتناع، بل من ارتباك؛ تُنكر فيه مشاعرها لتبدو سعيدة، وتتجاهل عدم التوافق كي لا تُلام، وقد تُنجب لتُثبت نجاحًا شكليًا أمام الآخرين، بينما تنهار داخليًا.

وهكذا تُبنى علاقة هشة، تقوم على التنازل، لا التفاهم، زواج يشوبه التوتر، ينعكس على الأبناء، ويُكرّس نمطًا من العلاقات المرتبكة والمشاعر المعطوبة… وكأن الخوف من نظرة الناس أهم من الأمان النفسي والروحي.

لكن هل تستحقين هذا المصير… فقط لأنك لم تتزوجي بعد؟
الزواج ليس إنجازًا لحظة التوقيع على العقد، بل رحلة تبدأ من وعيكِ، ورضاكِ، وصدق مشاعرك، لا ترفعي سقف التوقعات، لكن لا تخفضي من قيمة نفسك لتتناسب مع مقاييس الآخرين، فالتأخر في الزواج لا يعني التأخر في الحياة… بل ربما يعني أنكِ تنتظرين حياة تُشبهك.

الضغط لا يأتي فقط من الخارج، بل أحيانًا من أقرب الناس؛ أمٌ تخاف أن يفوتك القطار، أبٌ يريد الاطمئنان، وأخٌ يعتبر الزواج سترًا ومطلوباً، وتتكرر العبارات المؤلمة: “نريد نشوفك عروسة قبل ما نموت”… وكأن الفتاة مشروع بانتظار التنفيذ، لا إنسانة تبحث عن شريك حياة، فتدخل دوّامة الاختيار من باب الخوف، لا الاقتناع.

ثم تأتي وسائل التواصل لتزيد الطين بلّة… صور حفلات الزفاف، ومفاجآت الأزواج، وهدايا شهر العسل، توهم الفتاة بأن الجميع يعيش قصص حب مثالية، وتغفل عما وراء الكاميرا من مشكلات وصمت وندم، فتقارن، وتتسرع، لا بحثًا عن حب، بل هربًا من شعور النقص.

لكن الحقيقة هي: لا تتزوجي لأنك تخافين من الوحدة… بل لأنك وجدتِ من يشاركك الحياة دون أن يُشعركِ بالوحدة، ولا تختاري شريكًا فقط لأنه “جاهز”، بل لأنكِ “جاهزة” له نفسيًا وروحيًا.

ليس عيبًا أن يتأخر زواجك… العيب أن تتسرعي فتخسري نفسك لأجل إرضاء مجتمع لن يرضى أبدًا، تزوجي من يحترمك، يخاف الله فيك، ويمنحك السكينة لا القلق، كوني مع من ترتاحين إليه، لا من تهربين إليه.

فالعنوسة الحقيقية… أن تعيشي حياة لا تُشبهك، مع شخص لا يُشبه قلبك.
الزواج ليس نجاحًا في عيون الناس، بل في عينكِ أنتِ، تأخركِ لا يسرق منكِ الحياة، بل يمنحك فرصة لاختيار حياة تليق بك.
فمن قال إن كل من سبقك… كان على الطريق الصحيح؟