السلطة المؤقتة والوطن الدائم المحامية هبة أبو وردة

نظام الحكم في الجمهورية العربية السورية، هو نظام جمهوري رئاسي، على الرغم من أنه في واقعه السياسي، كان أبعد ما يكون عن الجمهورية؛ حيث انحرف عن مبدأ الجمهورية، وجعل مؤسسة الرئاسة مركز السيادة، وتم اغتيال الحياة الديمقراطية منذ وقت مبكر، تحت ستار “القيادة التاريخية” و”الضرورة الوطنية”، ومع امتداد حالة الطوارئ لأكثر من نصف قرن، تكرّس نظامٌ يحكم بالحذر، ويفاوض بالعصا، إلى أن انفجرت البلاد.
بعد حرمان دمشق من أدوات التغيير السلمي، تحولت سوريا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، واحترقت خلالها الجغرافيا والمؤسسات معًا، بدأ بالتآكل الداخلي للنظام القديم، وصولا إلى سقوطه الفعلي، وظهر أحمد الشرع، في ذلك الفراغ كأمر واقع وُلد من توازنات القوة العسكرية، وتقدّم إلى السلطة الانتقالية، يحمل مفتاحًا لصندوق أمانات وُضع في عهدته.
في علوم السياسة الدستورية، تُعرف المرحلة الانتقالية بأنها لحظة استثنائية مؤطرة للعبور، وتُدار بمفاتيح الحذر، صلاحيات مقيّدة، وظيفة مؤقتة وحدود مرسومة بخطّ الضرورة، بحيث يُبقي الدولة معلّقة بين الانهيار والانبعاث، ويحفظ توازنها على حافة المجهول؛ فشرعيته تستمد من انضباط الموقع داخل حدود العبور، وبالتالي، لا يملك أن يوقّع باسم الأمة، ولا أن يُبدّد من رصيد السيادة.
وهنا، يصبح الحديث عن فتح ملفات كبرى، مثل بيع الجولان أو تأجيرها، تجاوزًا جوهريًا لصلاحيات الرئيس الانتقالي؛ فإدراج الأرض ضمن أوراق التفاوض السياسي في لحظة انتقالية هشّة، يشكّل اختراقًا صامتًا لفكرة الدولة ذاتها، التي لا تستقيم إلا بثبات جغرافي يعبّر عن وحدة الإرادة الوطنية، ويفتح الباب أمام ثغرات قانونية وسياسية تُربك مرتكزات الشرعية، وتُزعزع هندسة السيادة.
علاوةً على أن الجولان، من حيث الواقع القانوني، أرضٌ محتلة لا يجوز التصرف فيها، وفقًا لأحكام القانون الدولي العام، اتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن، التي أكدت جميعها أن أي تغيير في وضعها القانوني أو السياسي يُعدّ باطلًا ولا يترتب عليه أثر؛ فهي ليست ملكًا للسلطة القائمة، ولا بندًا تفاوضيًا يمكن تكييفه وفق ضرورات اللحظة، إنما حق سياديّ معلّق على التحرير.
السيادة بطبيعتها لا تحتمل الاجتهاد في زمن الفراغ، وأي إجراء تفاوضي أو قانوني يطال هذه الأرض من موقع غير مفوّض شعبيًا، يُكرّس التفريط، ويصنع سابقة خطيرة تعيد تعريف العلاقة بين السلطة المؤقتة، والوطن الدائم الذي لا يسقط بالتقادم، وأيّ تجاوز نحو قرارات تمسّ جوهر الكيان الوطني، يفتح على سوريا بابًا مواربًا لفقدان معناها ومشروعيتها معًا.
وفي ضوء ذلك، فإن الشرع، كرئيس للمرحلة الانتقالية، لا يُمثّل – في الأدبيات السياسية والدستورية – رأس دولة مكتملة الشرعية، إنما يتولى إدارة سلطة مؤقتة وُلدت في لحظة فراغ دستوري وتفكك مؤسسي، عقب انهيار النظام السابق، ريثما تُستعاد الإرادة الشعبية بصيغتها المكتملة، ومهما اتّسع موقعه شكليًا، يبقى في جوهره موقعًا وظيفيًا لا تأسيسيًا، عابرًا لا مقرِّرًا.