تقنية العقارات (PropTech) في الأردن: ضرورة حتمية لقطاع واعد.. المحامي الدكتور فواز أبو حجلة

 

 

يشهد القطاع العقاري في الأردن نموًا وتطورًا ملحوظًا، مدفوعًا بالزيادة السكانية، والمشاريع التنموية، وتغير احتياجات السوق. ومع هذا التطور، تبرز تقنية العقارات (PropTech) كعنصر حاسم لضمان استدامة هذا النمو وتعزيز كفاءته وشفافيته. لم تعد “بروب تيك” مجرد رفاهية، بل أصبحت ضرورة ملحة لمواكبة التغيرات العالمية وتلبية تطلعات المستثمرين والمستهلكين في المملكة.

ومصطلح تقنية العقارات (PropTech) هو اختصار للكلمتين الإنجليزيتين “Property Technology”، ويشير إلى تطبيق التكنولوجيا والابتكار في جميع جوانب صناعة العقارات وإدارة الممتلكات.

ببساطة، “بروب تيك” تعني استخدام الأدوات والحلول الرقمية الحديثة لتحسين وتبسيط وتعزيز وتحويل العمليات المتعلقة بالعقارات، من البحث والشراء والبيع إلى الإدارة والتمويل والبناء وحتى التقييم.

 

لكن لماذا تعد تقنية العقارات ضرورة للأردن؟

رغم وجود ما يسمى بالخدمات الالكترونية وبعض التطبيقات الخاصة في الخدمات العقارية التي تقدم من قبل بعض الجهات الرسمية والخاصة الا ان هذه الخدمات لا ترقى الى المستوى المطلوب والمأمول ولا تقدم حلول مثالية تتماشى مع التطور التكنولوجي الهائل الحاصل على مستوى العالم. وإذا لم يتم السير مع الركب وتطوير الخدمات وابتكار الحلول التقنية وإطلاق وتنمية المواهب في الأردن فإن هذه الخدمات ستصبح (نسخة قديمة) وعبئا على مقدميها.

كما ان ركود القطاع العقاري في الوقت الحالي يدفعنا للتفكير باستخدام واستنباط حلول مبتكرة وتقنيات وأفكار جديدة وهذه التقنية في حال التوسع فيها وتطبيقها في الأردن من المتوقع ان تعمل على تنشيط السوق العقاري وإعادة الأردن لمراكز متقدمة على المستوى العالمي والإقليمي بعد ما شهده القطاع العقاري المحلي من تراجع سواء على سبيل الخدمات او الأداء الرسمي مما انعكس على مركز الأردن في المؤشرات العقارية المختلفة وتقدم دول أخرى في المنطقة بعد ان كنا نسبقها وكانت تستعين بخبراتنا وتجربتنا.

بالإضافة لذلك سوف تُقدم تقنيات العقارات حلولاً مبتكرة لتحديات تقليدية في السوق العقاري الأردني، مثل بطء وتعقيد الإجراءات، محدودية البيانات، وعدم الشفافية في بعض الأحيان، ومن خلال تبني هذه التقنيات، يمكن للأردن أن:

– يعزز الشفافية والثقة: عن طريق توفير معلومات دقيقة ومحدثة يقلل من الغموض ويزيد من ثقة المستثمرين والمشترين.

– يزيد الكفاءة ويقلل التكاليف: عن طريق أتمتة العمليات وتقليل الاعتماد على الإجراءات اليدوية مما يوفر الوقت والجهد والمال.

– يدعم اتخاذ القرار: توفير تحليلات معمقة للبيانات مما يساعد على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر ذكاءً.

– جذب الاستثمار الأجنبي: السوق العقاري المتطور تقنيًا يصبح أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين.

– تحسين تجربة العملاء: تسهيل عمليات البحث، الشراء، الإيجار، والإدارة العقارية.

 

ومن هذه التقنيات الرئيسية التي أصبحت منتشرة في الدول المتقدمة في هذا المجال والتي يمكن العمل لدينا للاستفادة منها:

  1. 1. تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI):

يُعد الذكاء الاصطناعي ثورة في تحليل البيانات العقارية الضخمة. ففي الأردن، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساهم في تقدير قيم العقارات بدقة أكبر من خلال تحليل ملايين نقاط البيانات حول المبيعات، الإيجارات، خصائص العقارات، وحتى العوامل الاجتماعية والاقتصادية. كما يمكنه المساعدة في توقع اتجاهات السوق، وتحديد أفضل فرص الاستثمار، وتخصيص العروض للمشترين بناءً على تفضيلاتهم، مما يوفر وقت المتعاملين والوكلاء ويعزز كفاءة السوق.

  1. 2. نمذجة معلومات البناء (Building Information Modeling – BIM):

تُقدم تقنية BIM نموذجًا رقميًا ثلاثي الأبعاد يحتوي على معلومات شاملة حول العقار، من التصميم إلى البناء وحتى التشغيل. في الأردن، يمكن لـ BIM أن تُحسن بشكل كبير من كفاءة المشاريع الإنشائية، وتقلل الأخطاء والتكاليف، وتُوفر بيانات دقيقة للمستفيدين حول مكونات العقار وجودتها وتكاليفها الفعلية. هذا يُسهم في توفير معلومات أكثر واقعية وتفصيلية للعقارات تحت الإنشاء أو بعد الانتهاء منها، ويعزز الشفافية في عمليات التطوير.

  1. 3. العقارات الذكية والمدن الذكية:

تُشير العقارات الذكية إلى المباني المجهزة بتقنيات تُمكنها من الأتمتة والتحكم المركزي بأنظمتها (مثل الإضاءة، التدفئة، التبريد، الأمن). أما المدن الذكية، فهي توسع لهذا المفهوم ليشمل مدنًا كاملة تعتمد على التكنولوجيا لتحسين جودة الحياة، الكفاءة، والاستدامة. وفي الأردن، يمكن لهذه المفاهيم إن تم تطبيقها أن تُعزز من جاذبية العقارات الحديثة، وتُقلل تكاليف التشغيل، وتُساهم في تقليل البصمة الكربونية. كما أن تبني المدن الذكية في مشاريع مثل رؤية الأردن 2025 سيُعزز من قيمة العقارات الواقعة ضمن هذه البيئات المبتكرة.

  1. 4. إنترنت الأشياء (IoT):

تُمكن أجهزة إنترنت الأشياء من جمع البيانات في الوقت الفعلي من العقارات (مثل استهلاك الطاقة، حركة الأشخاص، حالة الأنظمة). هذه البيانات يمكن أن تُقدم رؤى قيمة للمعنيين حول الأداء الفعلي للعقار وكفاءته، مما يؤثر على قيمته التشغيلية والاستثمارية. كما تُساهم في زيادة الرفاهية وتحسين إدارة الممتلكات والصيانة التنبؤية، مما يُطيل العمر الافتراضي للعقار ويُحافظ على قيمته.

  1. 5. البلوك تشين (Blockchain):

تُوفر تقنية البلوك تشين دفتر أستاذ رقمي آمن وشفاف وغير قابل للتغيير. في القطاع العقاري الأردني، يمكن للبلوك تشين أن يُحدث ثورة في تسجيل ملكية العقارات وتوثيق المعاملات. هذا يُعزز من الشفافية ويُقلل من مخاطر الاحتيال ويُسرّع من إجراءات نقل الملكية، مما يُخفض التكاليف الإدارية ويُساهم في بناء سوق عقاري أكثر ثقة وأمانًا.

  1. 6. الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR):

يعمل على تقديم جولات افتراضية للعقارات وتجارب غامرة للمشترين المحتملين.

  1. التطبيقات والمنصات الرقمية وخدمات البحث عبر الإنترنت:

لتسهيل البحث عن العقارات، عرضها، وإجراء المعاملات، وتحليل البيانات، وتقديم الخدمات.

  1. أتمتة العمليات الروبوتية (RPA):

لأتمتة المهام الروتينية والمتكررة في إدارة العقارات وأداء كثير من المهام في المجال العقاري بطريقة شفافة وسهلة تسهم في تخفيض النفقات وتشجيع الاستثمار وتحسين تجربة العملاء.

 

ولعل الامر الذي سوف يساعد ويسهل تطبيق هذه التقنية في الأردن هو وجود البنية التحتية لشبكة الإنترنت في الأردن والتي تُعد العمود الفقري لنجاح جميع هذه التقنيات. وبالتالي الاستفادة من استثمارات الأردن في تحسين سرعة الإنترنت وتوسع التغطية (خاصة شبكات الجيل الخامس5G  ) التي أصبحت ضرورية لدعم تدفق البيانات الضخمة اللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتشغيل أجهزة إنترنت الأشياء، وتمكين الوصول السريع والآمن إلى منصات البلوك تشين. بالإضافة للعنصر البشري المدرب والمؤهل في هذا القطاع.

 

ونخلص من كل ذلك أن تبني تقنية العقارات (PropTech) في الأردن ليس خيارًا، بل هو مسار حتمي نحو مستقبل أكثر ازدهارًا للقطاع العقاري. ومن هذا المنبر ادعو الحكومة وجميع الفاعلين في القطاع العقاري الأردني، من مطورين ومقيمين ووكلاء ومستثمرين خاصة فئة الشباب من المطورين والمبرمجين ورواد الاعمال للتوجه للاستثمار والعمل في هذا القطاع الذي يعد بمستقبل واعد خاصة لمن سيكون له السبق في هذا المجال.