كيس طحين واحد يدخل قد ينقذ حياة مواطن فلسطيني أفضل من المواقف الكلامية والتشكيك

محمد العرسان
 في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واستمرار حرب الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين، يبرز الدور الأردني الرسمي والشعبي كواحد من أكثر المواقف ثباتاً والتزاماً تجاه دعم الأشقاء الفلسطينيين.
هذا الدور، الذي يتجلى في الدعوات المتكررة لوقف فوري لإطلاق النار، ورفض محاولات تهجير الفلسطينيين، والمطالبة المستمرة بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يجب أن يُفهم ضمن سياق وطني متماسك يتطلب الحذر من الإشاعات وتعزيز مناخ الحريات كخط دفاع أول عن الموقف الوطني.
منذ بدء العدوان على غزة، لم تتوقف الجهود الأردنية على المستوى الرسمي عن التحرك في كافة الاتجاهات السياسية والإنسانية. فقد نفذت القوات المسلحة الأردنية عشرات الإنزالات الجوية لإيصال المساعدات الطبية والإنسانية إلى القطاع، في ظروف غاية في التعقيد والخطورة، الى جانب بقاء المستشفى الميداني الأردني فاعلا يقدم العون على مدار سنوات.
كما واصلت قوافل المساعدات البرية التابعة للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية الدخول إلى غزة ، حاملة معها الدعم الغذائي والطبي. هذه الجهود لم تكن موسمية أو عابرة، بل تمثل استمراراً لموقف أردني ثابت يرى في دعم صمود الشعب الفلسطيني مسؤولية قومية وأخلاقية وإنسانية.
فكيس طحين واحد يدخل قد ينقذ حياة مواطن فلسطيني وهذا أفضل من المواقف الكلامية والتشكيك,
على المستوى السياسي، يتمسك الأردن برؤيته الثابتة التي ترتكز على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. وهذا الموقف يتجدد باستمرار في كل المحافل الدولية، كما جاء في كلمات الملك عبد الله الثاني، التي حذرت من انفجار الأوضاع ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي شامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويضع حداً للاحتلال.
في مواجهة كل هذه الجهود، تظهر موجات من الإشاعات التي تهدف إلى النيل من الموقف الأردني أو التشويش عليه، عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو منصات مشبوهة. هنا تبرز الحاجة إلى التماسك الداخلي، وتعزيز الثقة بالمؤسسات الوطنية، ورفع الوعي لدى المواطنين، لعدم الانجرار خلف الحملات المغرضة. فالإشاعة لطالما كانت أداة خطيرة لزعزعة الاستقرار، وتفكيك الجبهات الداخلية، وهو ما يجب التنبه له خاصة في فترات الأزمات الوطنية أو الإقليمية الكبرى.
من المهم التأكيد أن أقوى سلاح لمواجهة الإشاعات لا يتمثل فقط في نفيها، بل في تعزيز الحريات العامة وفتح فضاءات النقاش والتعبير، ما يسمح بتداول المعلومات من مصادر موثوقة ويُضعف من فرص تمدد الروايات المضللة. إن وجود إعلام مهني ومسؤول، وسقف مرتفع من حرية التعبير، هو ما يشكل المناعة الحقيقية لأي مجتمع يريد أن يبقى متماسكاً في وجه التحديات.
الحراك الشعبي الأردني الداعم لغزة، والذي ظهر في المسيرات والمبادرات والتبرعات، يعكس وجداناً جمعياً يرفض الظلم ويؤمن بعدالة القضية الفلسطينية. وهو حراك يجب دعمه وضمان استمراريته، لا فقط لأبعاده السياسية، بل لما يمثله من تلاحم وطني وإنساني بين مكونات المجتمع الأردني كافة.
وفي الوقت الذي تشتد فيه المحنة على أهلنا في غزة، فإن الأردنيين – شعباً ودولة – يثبتون مرة أخرى أن دعم فلسطين ليس شعاراً، بل نهج متجذر في الثقافة السياسية والاجتماعية للدولة. غير أن الحفاظ على هذا النهج يتطلب وعياً جماعياً، وإصراراً على الوحدة، وحماية للمجال العام من الإشاعة والتشكيك.
إن التماسك الداخلي ليس ترفاً في مثل هذه اللحظات، بل ضرورة وطنية توازي في أهميتها الدعم الميداني والدبلوماسي. وتعزيز الحريات ليس مناقضاً للاستقرار، بل هو بوابته الحقيقية، خاصة حين يتعلق الأمر بقضية تمس الضمير الأردني الجمعي كما هو الحال في غزة.
معركة الوعي لا تقل أهمية عن أي موقف سياسي أو إجراء إنساني، وهي معركة يجب أن تُخاض بكل شجاعة، وبمشاركة كافة المؤسسات والمواطنين، لضمان بقاء الأردن سنداً حقيقياً لفلسطين، وقوة مستقرة في وجه محاولات الإرباك والتشويش.