الأكاديمي مروان سوداح*
هزة إيجابية سعيدة عمّت جموع المسيحيين في مختلف مشاعرهم ومقاماتهم، أفضت إلى غبطة غامرة، مرفقة بأحاسيس سرور طاغية لبروز حِراك رسمي أذربيجاني سريع صوبهم، رعاهُ وصانهُ وأعلاهُ فخامة الرئيس إلهام علييف حفظه الله، وحكومته، وذلك بتكريم وفد يمثّل الطائفة الدينية الأودينية الألبانية المسيحية، وريثة الكنيسة الألبانية القوقازية المستقلة والعريقة. يُشكّل التحرك الرئاسي بفتح أراضي الدولة الأذرية أمام الوفد المسيحي بحماية كاملة، لتمكينه من زيارة (دير آغ أوغلان) الكنسي الألباني القديم للصلاة فيه، عِلمًا بأن هذا الأثر الديني التاريخي العالمي يتمتع بالحماية والصيانة من ميزانية دولة أذربيجان في محافظة لاتشين.
على أعتاب عيدنا الكبير، الفصح المجيد الذي نحتفل به في الأردن بسلام ووئام في كنف العائلة الهاشمية وجلالة مولاي الملك عبدالله الثاني المعظم، سلّطت وسائل الإعلام العالمية المرئية والمكتوبة والمَسموعة، الأضواء الكاشفة على زيارة الوفد المسيحي إلى (دير لاتشين)، ما يَشي بأن التاريخ سيذكر هذا الحدث الحضاري بنور متجدّد، إذ كشفت هذه المناسبة للعالم بمجموعه عن أن أذربيجان تتمتع بحريات دينية تفيض بالرّقة والعَطف على أبنائها، أفضت إلى تهيئة الأجواء لإقامة قُداس في كنيسة عريقة تحيط بها طقوس سلمية ووادعة، برئاسة شخصية مسيحية مرموقة هو “رافق داناكاري”، نائب رئيس الطائفة الدينية، الذي تحلّق من حوله أعضاء الطائفة مِمَّن شاركوه في إقامة الشعائر وفقًا للأصول، وللتضرع لله ليسبغ مراحمه على البشرية جمعاء، ونشر الوئام والسلام والعَمار في أركانها، وقال: حَمدنا الله على انتهاء الحرب وتحرير أراضينا من الاحتلال.. صلينا على أرواح الشهداء في الحرب القراباغية، وسألناه أن يهب الشفاء العاجل للجرحى”، وسرد أن “اذربيجان هي بلد التسامح، وكل المساجد والكنائس والمعابد اليهودية هي إرث الشعب الأذربيجاني، وهذه الكنيسة الألبانية تعرضت للتحريف الأرميني حيث تم تغيير ارتفاع مِحراب المعبد من 3 سلالم إلى 5-6 سلالم.. كذلك غيروا شواهد القبور المؤلفة من الصلبان”.
استطرد داناكاري بكلام مُبكٍ تعتصره حَسرة مرفقة بدموع تنهال من مآقي عينيه: لا يَعرف كثيرون في العالم ضمنهم المسيحيون، أن كنيسة (آغ أوغلان) تتربع على ضفة نهر “آغ أوغلان” في قرية كوسالار، المحاذية لمدينة لاتشين، ويعود تاريخها إلى القرنين الخامس والسادس، وقد احتلت قوات أرمينيا محافظة لاتشين عام 1992، وتم تدمير وإبادة التراث الثقافي الديني المنتمي إلى أتراك أذربيجان ودولة ألبانيا القوقازية.
نحن كمسيحيين عرب ملتزمين بإيماننا، ونشطاء في كنائسنا، نتابع الأوضاع في أذربيجان وحولها، ونهتم على وجه الخصوص بالبرنامج الأذربيجاني الرسمي للحفاظ على التاريخ المسيحي والذي لا مثيل موازِيَ له في بلدان العالم، فهو يتمتع بميزانية مالية كبيرة وكريمة بتعليمات يُصدرها السيد الرئيس إلهام علييف، وبمتابعة حثيثة من النائب الأول له، السيدة النابهة مهريبان علييفا، رئيسة مؤسسة حيدر علييف، وهما يعملان في سبيل تعزيز تحالف أصحاب الإيمان من مسلمين ومسيحيين، للوصول إلى عالمٍ يسوده سلام شامل وحقيقي وإخاء كلي، ولإعلاء قيمة الإنسان وحياته المقدسة بعيدًا عن العنف والاحتقانات الفكرية والدينية والعصبيات والتطرف، وصولًا إلى تطبيق تعاليم السماء، حمايةً لِهِبة الحياة المُقدسة.
نتمنى نحن المسيحيون العرب، وشخصيًا أيضًا كوني متابع ومتخصص بشؤون وشجون أذربيجان منذ سنة 1970، أن تتاح لنا فرصة ذهبية أخوية من رئاسة جمهورية أذربيجان لزيارة دير كنيسة (آغ أوغلان) في لاتشين، والصلاة فيها، والتمتع بالتاريخ المنقوش على حجارتها التي حَفظت تحولات التاريخ وعَظمة أذربيجان الحامية لرسائل العلي القدير وكرامة المؤمنين والإنسان على أرضها.