فجوة تمثيل النساء في الحقائب الوزارية تتسع رغم وضوح الإرادة السياسية العليا زهور غرايبة

 

يشكّل التعديل الوزاري الأول على حكومة الدكتور جعفر حسان فرصة للتأمل في موقع المرأة داخل السلطة التنفيذية، ومدى انعكاس الخطاب السياسي على واقع المشاركة النسائية في صنع القرار، الحكومة التي شُكّلت في منتصف عام 2024 حملت في بدايتها مؤشرات مختلفة، حيث بلغت نسبة التمثيل النسائي 15.4%، ولكن الارادة السياسية العليا غير ذلك وخاصة في كتاب التكليف السامي للحكومة الحالية، حيث أكد فيه جلالة الملك عبد الله الثاني أن المرأة الأردنية حققت إنجازات محلية ودولية، وأن تمكينها في مواقع القيادة ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل.

لكن التعديل الوزاري المعلن اليوم، والذي خرج بموجبه 10 وزراء ودخل 9، لم يحافظ على هذه النسبة، بل خفّضها إلى 12.9%، بعد أن استقر عدد النساء في الفريق الوزاري عند 4 وزيرات فقط من أصل 31 وزيرًا، إن الحديث عن هذه النسبة لا تعكس فقط تراجعًا عن تشكيل الحكومة، إنما تهدم مسارًا تصاعديًا شهدته الحكومات السابقة، حيث بلغ التمثيل النسائي 24.4% في عام 2019، قبل أن يتراجع إلى 9.1% في عام 2021، ثم يرتفع إلى 18.5% في 2022 و23.3% في 2023، لتعود الحكومة اليوم إلى مستوى أقل من سقف الطموح.

إن المسألة لا تتعلق بالأرقام فقط، بل بما تعكسه من فلسفة سياسية في تشكيل الحكومات، وإضافة لذلك وجود النساء في السلطة التنفيذية لا يُفترض أن يكون تجميلًا أو توازنًا رمزيًا، لكنه يفترض أن يكون أحد مؤشرات النضج المؤسسي للدولة، والتراجع، ولو كان طفيفًا، في ظل هذا السياق، يطرح تساؤلات حول موقع وجود النساء في ترتيب الأولويات، خاصة حين يُقابل ذلك خطاب إصلاحي متقدم بقرارات لا تواكبه بالشكل الكافي.

اللافت أن هذا التراجع لا يرتبط بندرة الكفاءات النسائية، فالأردن يزخر بنماذج نسائية متميزة على المستويات الأكاديمية والاقتصادية والقانونية والإدارية، لكن ما زالت خيارات تشكيل الحكومات تميل إلى نمطية في التفكير، تُبقي المرأة في مواقع محددة، أو تقيّد مشاركتها بأدوار تقليدية لا تعبّر عن قدراتها الحقيقية، وهذا ما يجعل تمثيل النساء في الحكومات عرضة للتغير مع كل تعديل، بدلاً من أن يكون جزءًا من سياسة راسخة ومستقرة.

الحديث عن التمكين لا يكتمل دون ضمان استمرارية الحضور النسائي في مراكز القرار، لا فقط في بدايات تشكيل الحكومة، في كل مرحلة من مراحلها، بما في ذلك التعديلات الوزارية، والمطلوب ليس فقط ضمان وجود النساء، أيضًا توزيع الحقائب بما يعكس الثقة بقدراتهن، وأن تُسند لهن وزارات ذات طابع سيادي أو اقتصادي، وليس حصرهن في قطاعات اجتماعية فقط.

ما حدث في هذا التعديل لا يُلغي جهود الدولة في مجال تمكين المرأة، لكنه يسلط الضوء على أهمية ترسيخ ذلك التمكين عبر مأسسة خيارات التمثيل، وربطها بسياسات لا تتغير مع تغيّر الحكومات أو أولوياتها اللحظية، كما أن الإرادة السياسية العليا التي تتعلق برؤى جلالة الملك الاصلاحية تؤكد باستمرار على أن تمثيل المرأة لا يمكن أن يكون حالة ظرفية فقط بل مكون أساسي من مكونات الحكم الرشيد، وكل تراجع فيه، مهما بدا بسيطًا، يرسل إشارات مربكة إلى الداخل والخارج حول مسار الإصلاح السياسي والاجتماعي في البلاد.