حكايتنا مع الكاميرا الخفية عاطف أبو حجر

 

لم تكن الكاميرا الخفية بالنسبة لي مجرد فكرة للضحك أو التسلية… كانت حلمًا بدأ يكبر داخلي منذ أكثر من عشرين عامًا. كنت أتابع بشغف برامج الكاميرا الخفية في مصر وسوريا والأردن، وأقول لنفسي دائمًا: “يومًا ما سأكون هناك، لكن على طريقتنا الأردنية… من شوارعنا، وبوجوه ناسنا”.
جمعت مئات الأفكار، وكتبت أكثر من 300 موقف على مدى سنوات طويلة، حتى جاءت اللحظة التي تحقق فيها الحلم. وفي عام 2007، اتصل بي الزميل الإعلامي يزن خواص من قناة نورمينا، حيث طلب مني هو والمخرج شحادة الدرابسة أن نصوّر مقلبًا على الهواء مع مقدمي برنامج “بين العصر والمغرب”.المذيع فؤاد الكرشة، والمذيعة اللبنانية جيسي أبو فيصل المقيمة في الأردن، والمذيعة روز السوقي. ويومها تأخر فؤاد ولم يكن ضمن المقلب.
وأثناء مروري أمام مطبعة الصديق ضافي العبداللات،تذكرت انه طلب مني أن يمثل في وقت سابق حيث كنت مدير إنتاج وكاتب وممثل مع التلفزيون الأردني واصور الجزء الثاني من مسلسل هيك ومش هيك “زعل وخضرا” أخبرته أنني ذاهب لتنفيذ المقلب، وطلبت منه أن يرافقني. تردّد في البداية، لكنه لحق بي بعد دقائق، وهناك تم تصوير أول مقلب من برامجنا. وهكذا أطلقنا – أنا وزميلي الفنان ضافي العبداللات – أول أجزاء الكاميرا الخفية، وكان النجاح فوق التوقعات.
لم يكن البرنامج مجرد تجربة عابرة، بل حقق شهرة واسعة وانتشر عبر جميع القنوات الأردنية، وأصبح حديث الناس في الشارع، في البيوت، وحتى في المقاهي.
ومن اللحظات التي لا أنساها أبدًا، كانت في عام 2013 أثناء تصوير برنامج “سوا بتهون” مع الزميل الإعلامي يزن خواص، في حلقة صورناها بمخيم الحسين في عمّان، وكان معنا ضيف عزيز وغالٍ، النجم الراحل داوود جلاجل، رحمه الله.
أثناء التصوير، تجمع حولي مجموعة من أطفال الحارة وبدؤوا يصرخون بحماس:
“هاظا تبع الكاميرا الخفية!”
ضحكنا جميعًا، لكن المشهد ازداد دفئًا وإنسانية حين ابتسم الأستاذ داوود وقال لي بكل تواضع:
“والله يا عاطف شايف إنك صرت أشهر مني!”
كانت تلك اللحظة شهادة حقيقية على أننا – أنا وضافي – تركنا بصمة في قلوب الناس، كبارًا وصغارًا.
عام 2007 كان موعدنا مع الجزء الأول من سلسلة الكاميرا الخفية، وجاء أقوى مما كنا نتخيل. شارك فيه 30 فنانًا أردنيًا من الكبار، وقدّمنا 30 مشهدًا خارجيًا مع مواطنين من مختلف مناطق المملكة. كانت التجربة صادقة وخالية من التصنّع، وهذا سر نجاحها.
عُرض البرنامج خلال شهر رمضان على شاشة التلفزيون الأردني ومعظم القنوات الأردنية وبعض القنوات العربية، وكانت ردود الفعل مدهشة. أحبّنا الناس لأننا كنا نقترب منهم، نضحك معهم لا عليهم، وندخل بيوتهم بقلوب خفيفة ونوايا طيبة.
أنا وضافي كنا نكمّل بعضنا فنيًا. في بعض الأجزاء قدّمنا البرنامج معًا، وفي أخرى كلٌّ بأسلوبه، لكننا حافظنا دائمًا على الروح الأصيلة: روح المفاجأة الذكية، والفكاهة الراقية، والضحكة العفوية.
حرصنا في كل موسم على تقديم أفكار جديدة من حيث المواقع، التنكّر، وأسلوب المقالب، حتى لا نكرر أنفسنا، وليشعر الجمهور أن كل حلقة مختلفة فعلًا.
أجمل ما في التجربة كان رد فعل الناس في الشارع: كل سائق تكسي، أو صاحب محل، أو بائع على بسطة، أو طفل صغير، كان يوقفني ليقول:
“أنا شفتك وقت ما صورتوا المقلب بعمّان” أو “يا أخي بتضحكونا بدون ما تجرحوا حدا”.
هذا هو المكسب الحقيقي: محبة الناس واحترامهم.
الكاميرا الخفية بالنسبة لي لم تكن مجرد برنامج… بل كانت أسلوب حياة، وساحة اختبار لإنسانية الناس، وفرصة لصنع الضحكة من قلب الواقع.
بعد 15 سنة من المقالب والمغامرات، ما زلت أتعلّم في كل موسم شيئًا جديدًا، وما زلت أؤمن أن الضحكة التي تخرج من القلب لا تحتاج مؤثرات… بل تحتاج صدقًا، واحترامًا، ونيّة طيبة.
واليوم، بعد أن أصبحت “تبع الكاميرا الخفية” في ذاكرة أجيال، أقول بكل فخر:
“نعم… هذا كان حلمي، والحمد لله عشته بكل تفاصيله، وأضحكنا الناس، وأثبتنا أن الفن النظيف له مكان، وله جمهور، وله أثر لا يمحى.”
وسنبقى – أنا وضافي – نعمل ونبتكر ونضحك مع الناس، لا عليهم.
ولا يسعني في النهاية إلا أن أؤكد على الدور الكبير والمستمر لمؤسسة العبداللات للإنتاج والتوزيع الفني، التي كانت ولا تزال المنتج الحصري لهذه السلسلة المميزة من برامج الكاميرا الخفية، والداعم الأول في استمرار هذا النجاح بكل أجزائه وتحولاته.


وللعلم، فإن برنامج الكاميرا الخفية الأردنية لم يقتصر نجاحه على حدود الوطن، بل شق طريقه نحو العالم العربي، حيث عُرض على أكثر من عشرين محطة عربية كبرى، ليصل إلى ملايين المشاهدين من الخليج إلى المحيط. لقد أثبتنا أن الضحكة الصادقة لا تحتاج ترجمة، وأن الفن النظيف قادر على عبور الحدود وكسر الحواجز، ليجمع الناس على بسمة واحدة، مهما اختلفت لهجاتهم وأوطانهم. وفي نهاية رحلتنا مع الكاميرا الخفية،وأستذكر كلمات النجم المصري الراحل مظهر أبو النجا، الذي كان له أثر كبير في تجربتنا. بعد تصوير المقلب معه، قال لنا بكل تقدير:
“انتوا يا ضافي وعاطف زي الشمس والقمر، التنين بتنوروا بالليل والنهار، انتوا ناجحين ومتميزين وبتكملوا بعض. حافظوا على هذا النجاح.”
كانت تلك الكلمات بمثابة شحنة طاقة ودعم كبير لي ولزميلي، تؤكد لنا أننا على الطريق الصحيح، وأن ما نقدمه له قيمة حقيقية في عالم الفن والإعلام.