يبدو أنه مع تقدم العمر وبوادر ظهور أعراض الزهايمر تنتعش الذاكرة البعيدة فتستحضر صورا من الماضي هكذا تفعل ذاكرتي باستحضار صور من عمان القديمة .
– صورة لحركة نزوح لعائلات تقطع النهر هروبا باتجاه الشرق كأنه قدرها أن تسير على طريق رسمتها خطوات أمهم الأولى هاجر وأبيهم ابراهيم
– صور لأطفال ونساء يملأ عيونهم الرعب ورجال يقتلهم القهر والانكسار ونظرات خالية من أي تعابير تمتد بعيدا الى المالا نهاية وأيدي تتلمس قشة تتعلق بها كي لا تغرق في المجهول.
– صورة لسيل عمان الشريان الرئيس الذي كان يمدها بالحياة على ضفتيه ذابت كل الهويات الفرعية وتساوت في فقرها وزرعت بذرة المدنية لهذه المدينة الناشئة
– على سيل عمان تعارفنا وتمازجنا وفي مياهه تعمدنا فصرنا عمانيين
– نعقت الغربان في أيلول ملبد بالغيوم. تقاتل الأخوة وتحاربوا على ضفتي السيل فكان الموت لكن عمان قاومت وحافظت على وحدتها.
– نهضت عمان وداوت جراحها ولم يتمزق نسيجها الاجتماعي وراحت تشق طريقها نحو المدنية أزالت الشوائب عن شخصيتها وهويتها واغتسل أهلها في مياه السيل وتعمدوا ثانية فتساووا.
– صورة لطلاب وطالبات المدارس في زيهم الموحد وقت الظهيرة تلغى فيها كل الفوارق الطبقية فالزي يوحدهم.
– صور لمواقع انطبعت في الذاكرة، برك السباحة يصنعها الأولاد على امتداد السيل , ساحة المدرج الروماني أيام الأعياد، عائلات تصطف على أبواب سينما الرينبو، وسينما الخيام، ومسرح اللويبدة، بأجمل ثيابهم وزينتهم بأناقة، لمشاهدة فيلم السهرة او مسرحية. الكل يبحث عن الفرح
– صور لمقهى الجامعة والسنترال رجال وشباب وطاولات الزهر وورق الشدة أصوات تتعالى وتختلط، شيش بيش , باصرة ,هب اليك, هند , جهار وسي , والرهانات، دورة شاي، وينسون، واينر، وكازوز.
– صور للحسبة على جانب السيل، الحمالون والعتالة يعرضون خدماتهم، نساء بمختلف الأزياء الشعبية والحديثة، أولاد يتخاطفون حبات الفواكه من البسطات، باعة يدللون على بضائعهم،
– صورة لنساء يغسلن الملابس على ضفة السيل، واطفال يستحمون ويتسبحون، رجال يدبغون الجلود، والسيل يساوي بين الجميع.
– صورة لمساءات عمان، عائلات يتمشون على الدوار الثاني، معاكسات خفيفة للصبايا، خجل ودلال، بائعون متجولون للترمس والبليلة والاسكيمو والبوظة، صخب وفرح وبذرة المدنية في عمان تنمو وتكبر.
—فجأة تم ردم السيل وسقفه، فجف الشريان وبدأت عمان تذوي فهربت بعيدا عن قلبها وامتدت غربا فاغتربت ….