فزعة المغتربين..منّْور الزعبي تكتب ..النتن.. هقيتك تريد اللجوء لكن حتى كلاجئ لامكان لك بيننا.

، اثنان وثلاثون عامًا من الغربة، وأنا أردنية الملامح والروح هولندية العنوان.
أحمل وطني في نبضي كما يحمل البحر ملحة
٣٢ سنة في الغربة لم تسرق مني لهجتي الدافئة، ولا
انتمائي الأصيل، ولا رائحة الزعتر التي تسكن ذاكرتي.
بلدي الاردن… هو دفء حضني الأول، فيه أول أنفاسي وأول خطوة ارتجفت فيها قدماي، وأول كلمة نطقتها وأنا أتعلم كيف اتكيف مع الحياة.
على ترابه تعلّمت كل شيء… من ضحكة الطفولة البريئة، إلى دمعة الفرح، إلى أول معانى الحب.
هو الأرض التي تشعرك أنكِ في أمان الكون كله، صوت المؤذن الذي يسكب الطمأنينة في الروح، ونسيم المساء الذي يروي أسرار العشاق وحكايات الأجداد.
وفي ثراة ينام أحبابنا الذين رحلوا عن أعيننا وبقوا في قلوبنا. بلدي ليس مجرد أرض… بل ذاكرة مكتوبة على جدران القلب وجذر لا تنزعه المسافات ولا تغيّره السنين.
كشجرة زيتون نمت في أرض بعيدة جذوري ما زالت مغروسة في تربة الأردن، أثمر حنينًا في كل موسم، وأظلّل من حولي بدفء روحي.
جمعتُ بين صبر أهل الشمال وصلابة أهل الجنوب، وبين انفتاح الغرب وكرم الشرق، فصرتُ جسرًا يربط ثقافتين، ومرآة تعكس أجمل ما في كلّ منهما.

الغربة لم تكسر فيّ شيئًا، بل صقلت حضوري، وجعلتني أعمق فهمًا للحياة، وأوسع صدرًا للبشر. ورغم المسافة، ما زالت شمس عمّان تشرق في عينيّ، وما زال عبق الياسمين يرافقني كلما ابتسمت.
زرعتني الأقدار في أرض بعيدة، لكنني حملت معي كل ما في الأردن من شمس وكرم وصلابة. دخلت الغربة شابةً تحمل الحلم والأمل، وخرجتُ منها امرأة ناضجة، حكيمة، أعرف قيمة نفسي وقيمة ما أؤمن به.

في دراستي، كنتُ كما يعرفني الجميع: مجتهدة، لا أكتفي بما يُعطى، بل أبحث وأضيف. أثبتُّ أن النجاح ليس حكرًا على من يعيش في وطنه، وأن الطموح يمكن أن يمد جذوره حتى في تربة بعيدة. وفي عملي، كنتُ مثالًا على الالتزام والاحتراف، حتى عرفني الجميع بقدرتي على تحويل التحديات إلى فرص، وبأني أبني النجاح خطوة بخطوة، بصبر لا يعرف الملل.
ولم يكن نجاحي شخصيًا فحسب، بل امتد إلى ابنتي التي ربيتها على الحق والعدل. كبرت وهي تعرف أن تقول لا للظلم، وأن تدافع عن المظلومين بلا خوف، حتى اختارت طريق الدفاع عن الحق مهنة ورسالة. غرستُ فيها قيمي ومبادئي القروية من كرامة، نبل والإيمان بعدالة الكلمة، والإصرار على نصرة الضعيف، فصارت هي أيضًا امتدادًا لفخري ونجاحي.
الغربة لم تغيّرني، بل صقلتني، وأعطتني بُعد النظر، وجعلتني أعرف أن الانتماء ليس مكانًا فقط، بل هو فكرة ووفاء. ورغم كل هذه السنوات، ما زالت رائحة
خبز الصاج وأغاني فيروز في الصباحات تسكن قلبي .

الغربة شهادة حية أن المرأة القوية تستطيع أن تصنع وطنًا صغيرًا متراسأ أينما ذهبت، وأن تزرع الأمل في قلوب من حولها، وتترك أثرًا لا تمحوه السنوات.
كقطعة من بيئتي امشى بكل ما عهدتة من أصالة، وفخر وحنين وهذا حال كل المغتربيين.الاردنيين، لاننا بإختصار لم نرغم على البعد ولم نرغم على اللجوء لغير بلد. بل كنا فخورين بانتمائنا واسم الاردن كان يسبقنا ونعمل كل ما بإستطاعتنا لنحافظ على هذا الفخر الذي زرعة المغفور لة ملك القلوب.

النتن يمدّ عينه على الأردن فأقول له، الأردن يا سيد الاحتلال بلد الأحرار، بلد اللاجئين الذين هربوا من الظلم، وفتحنا لهم القلوب قبل البيوت. إن أردت اللجوء من جرائمك، فأبوابنا ليست لك، قريبا سوف وهو يوم قريب، تاتي بلا سلطة وبلا قوة تطلب الأمان والفرار من العدل ولكن سيكون مصيرك في جهنم وبئس المصير. اما ان تتجرأ ان تدعي بظم الاردن خسئت ايها القاتل الملطخ بدماء الاطفال الابرياء، الأردن أكبر من أحلامك، وأشرف من أن تضع اسمك بجانب اسمه. هذا وطن لا يبيع أرضه، ولا يركع لعدوّه… هنا لا مكان لقاتل ولا لمحتل ولا حتى لو جئت لاجئأ ، مكانك الطبيعي ليس بين حدودنا، بل خلف قضبان السجن كما قالت المحكمة الدولية، حيث يدفع المجرمون ثمن جرائمهم. سيبقى الأردن عصيًّا على أطماعك وأطماع من هم على شاكلتك. ترابنا أطهر من أن تدوسه قدماك، وشعبنا يقلع العين ان لدت تلانا…
هنا الأردن، ملكًا وشعبًا، قلعة كرامة لا تُفتح أبوابها إلا للأحرار كشعبها الحر النبيل.