د.سناء عبابنة تكتب ,,خدمة العلم… بوابة الانتماء وصناعة رجال الوطن

في زمن تتكاثر فيه التحديات وتتشابك فيه التحوّلات، جاء تصريح سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ليضع النقاط على الحروف، ويعيد توجيه البوصلة نحو جوهر بناء الدولة: الإنسان.
حين قال سموه إن “إعادة خدمة العلم ضرورة؛ ليكون الجيل الجديد منضبطًا ومرتبطًا بأرضه”، لم يكن ذلك مجرد رأي، بل إعلان لرؤية واضحة تُعيد الاعتبار لقيمة الانتماء، وتؤسس لمسار وطني يُعلي من شأن الشباب بوصفهم عماد المستقبل وقادة التحوّل.
هذا التصريح لم يكن عابرًا، بل يُعبّر عن إيمان راسخ بأن بناء الأوطان يبدأ من بناء الإنسان، لا بالشعارات، بل بتجربة تُصقل الشخصية، وتُغذّي الوجدان، وتزرع في القلب حب الوطن كقيمة وسلوك لا كمجرد هوية. وهنا تأتي خدمة العلم، ليس فقط كبرنامج تدريبي، بل كمدرسة وطنية تفتح أمام الشباب أبواب الانضباط، وتُعلّمهم المعنى الحقيقي للالتزام، وتحفّز فيهم روح العمل الجماعي والإحساس بالمسؤولية.
ولا يمكن الحديث عن خدمة العلم دون الوقوف عند الدور المحوري الذي يقوم به الجيش العربي الأردني، جيش المبادئ والانتماء، الذي لطالما كان مدرسة الرجال ومصنع الأوفياء. فمن رحم هذه المؤسسة العريقة خرجت أجيال من القادة والجنود، نهلوا من ميادينها قيم التضحية والانضباط والانتماء الخالص.
إن إشراك الجيش في نقل خبراته إلى الشباب عبر خدمة العلم، هو بمثابة تسليم شعلة الهوية والانتماء من جيل إلى جيل. فالجيش لا يعلّم فنون القتال فحسب، بل يزرع في نفوس من يجاوره مفاهيم الرجولة، والولاء، والالتزام، والصبر، وحب الوطن، وهي صفات باتت اليوم ضرورة في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
إن ما طرحه سمو ولي العهد هو دعوة صادقة لنعيد التفكير في صياغة علاقتنا بالوطن، ونجعل من خدمة العلم مدخلًا لتأهيل جيل أردني يحمل في قلبه الانتماء، وفي عقله الوعي، وفي يده أدوات البناء. وطننا لا يحتاج لمتفرجين، بل إلى أبناء يقفون في الصف الأول، يحمونه، يبنونه، ويكتبون مستقبله بأفعالهم لا بأقوالهم.
لقد كان حديث سموه دعامة وطنية ورسالة مباشرة: لا مستقبل دون شباب مؤهل، ولا شباب أقوياء دون مؤسسات وطنية كجيشنا العربي تُرشدهم وتُوجّه طاقاتهم، ولا بقاء للوطن دون روح جماعية تنبع من حب الأرض، ومن الالتزام بخدمتها بكل ما أوتينا من قدرة وولاء.

د.سناء عبابنة