أعلن ولي عهد المملكة الاردنية الهاشمية صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبد الله الثاني مؤخراً تجديد وإعادة برنامج خدمة العلم في الجيش العربي الأردني، وبالنسبة لي فعندما يذكر مبدأ التجنيد لفئة الشباب ، فأول موضوع يتبادر إلى ذهني هو مبدأ الانضباط ، فتعليم الانضباط وما يتضمنه من احترام الوقت والمواعيد أمر في غاية الأهمية ، بما في ذلك أيضاً الانضباط في العمل وأخذ الأمور والمسائل على تنوعها بكل جدية .
ومنذ أن تمَ الغاء برنامج خدمة العلم عام 1991م وحتى اليوم وقد كانت لمدة آنذاك عامين تشمل الذكور ما بين عمر 18 – 40 سنة، نلاحظ في مجتمعنا خاصة فئة الشباب في الاردن أن البعض منهم لا يوجد لديه عمل ، ويصنف ضمن فئة الايدي العاملة العاطلة عن العمل ، حيث يعتمد مثل هؤلاء في مصروفهم على أهلهم ، ويغلب على روتينهم اليومي السهر ليلاً والنوم طيلة النهار ، ولا يوجد لديهم مسؤولية للأسف ، ويلجأ الكثير منهم الى آفة تعاطي المخدرات وبشكل تتدهور معه قدراتهم العقلية والانتاجية ، وبشكل نجد فيه الاهالي لا يملكون القدرة على ضبط سلوكيات ابنائهم بشكل كامل ، حيث تتزايد ظاهرة منحهم الحرية الكاملة الغير منضبطة ، مما يجعل الشباب يمضون جلّ وقتهم على الهاتف ( الموبايل ) يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي ويمارسون اللعب على الالعاب والبرامج الالكترونية ، التي اثبتت الدراسات والبحوث انه في حال ادمان اللعب عليها لمدة طويلة وبشكل متواصل فان ذلك يترك تأثيراً على عقولهم ، ويقتل خلاياهم الدماغية ، وللأسف يلاحظ غالباً أنه لاتوجد أي فرصة عمل متاحة للشباب تساهم في انضباطهم خاصة الفئة الغير متعلمة أو الغير مؤهلة للخوض في سوق العمل .
ومن المؤسف أيضاً أن هناك نسبة كبيرة من الشباب المؤهلين للعمل والحاصلين على شهادات جامعية ، ولكن مع كل ذلك فإن نسبة البطالة مرتفعة بشكل متزايد ، ولا شك أن من الاسباب الوضع في الشرق العربي الذي ينعكس تأثيره على الأردن ، بما في ذلك وباء كورونا سابقاً والحرب القائمة في غزة ، والصراعات الدائرة في العديد من الدول المجاورة للأردن ، وجميعها أسباب أثرت على العديد من مجالات العمل في الاردن وأهمها قطاع السياحة ، ومن المعلوم أن الكثير من فئة الشباب يشتغلون في هذا القطاع الحيوي ، وللأسف الوضع الاقتصادي الان في الاردن جراء جميع ما سبق ذكره من تحديات والسلبيات الاقتصادية أثر على فئة الشباب الذين يفتقدون أساساً لمبدأ الانضباط بمفهومه العام ، والعمل هو الذي يكسبهم ذلك ، بدءاً من الاستيقاظ الباكر وأخذ المواصلات للوصول الى العمل صباحاً دون تأخير ، الى جانب ما يكتسبونه من خبرة في جانب العلاقات والمعاملة مع الرفاق والزملاء في الوظيفة والعمل ، والأهم تقديرهم لمبدأ كسب المال الحلال من الوظيفة والشغل في شتى المجالات ، علماً بأن برنامج خدمة العلم الجديد يمنح الشاب المتدرب ( المكلف ) مبلغ 100 دينار ، مما يعزز لديهم قيمة كسب المال والانتاج .
ومن الملاحظ وبكل أسف أن مزايا الانضباط والالتزام المتأتية من العمل فقدت عند جيل الشباب الجديد ، خاصة في اطار تزايد وجود ظاهرة عدم تقدير وربما احترام الاخر خاصة الاهل أحياناً ، الذين أثر انشغالهم في اعمالهم على عدم وجود الوقت الكافي لتربية الابناء ، وهذا الامر ترك فراغ لدى الابناء وانعكس على تاثرهم برفاق السوء ، الذي يؤثرون عليهم سلباً .
إن مبدأ اعادة تفعيل برنامج خدمة العمل والتجنيد الاجباري لفئة الشباب في صفوف الجيش العربي الأردني ( القوات المسلحة )، فكرة مميزة جداً خصوصاً عند هذا الجيل الذي بات من الواضح اختلافه عن الاجيال السابقة ، التي ربما كانت أفضل منه من ناحية وجود قيمة الانضباط لدى معظمهم الى جانب احترامهم الشديد للأهل ، وهنا نستشعر أن الدولة أصبحت تدخل على ما يمكن أن نسمية خط ضبط الاداء والتعلم ، والأهم صقل فئة الشباب نحو الافضل ، خاصة أن نسبة الشباب في المملكة الاردنية الهاشمية هي الأعلى والاكثر عدداً ( مجتمع فتي) ، وتشير الاحصائيات ان النسبة تزداد ، وسيكون الشباب عملياً هم المستقبل ، مما يجعل خدمة العلم والتجنيد تعلمهم الانضباط وحب الوطن والانتماء له ، اضافة الى تعزيز التربية الوطنية والغيرة على الوطن والسعي دوماً لخدمته ورفعته وتنميته ، وبالتزامن مع هذه القيم فإن الشباب أيضاً يرسخ عندهم مبدأ احترام الاخر الاكبر سناً ، والاهم أخذهم للأمور في الحياة بكل جديّة وكذلك اكتساب الشباب لصفة تحمل المسؤولية بكل أشكالها ، ليصبح لديهم قناعة بأنهم عنصر مسؤول في وطنهم ويجب عليهم أن يشاركون بكل طاقتهم في رفعة الوطن وخدمته .
إن القوات المسلحة الاردنية ستدخل على إثر هذا البرنامج الوطني مسار المساهمة في تربية الأجيال وبشكل متوازي مع الدور التربوي للأُسر والاهالي ، وهو أمر يصب في تصويب وضبط تصرفات الشباب الغير مسؤولة ، والعمل على صقلهم ليصبحوا رجالاً جديين ومسؤولين وأكثر وعياً عند القيام بأدوارهم العملية التشاركية في الحياة ، يغلب عليهم احترام الآخر والوقت الذي ينبغي أن يستثمر بطريقة ايجابية وانتاجية ، وبالمحصلة يكون عندها الشاب عنصر فعّال في المجتمع الاردني وليس عالة عليه .
وكلي أمل وأمنيات بعد انهاء الشباب لبرنامج خدمة العلم وبمساريه العسكري والمعرفي ، والذي ستكون مدته ثلاثة شهور ، أن يتعلم الشباب وأن توفر لمن ليس لديه منهم عمل فرصة الانضمام الى صفوف القوات المسلحة ، والبعض الاخر منهم أن توفر لهم القوات المسلحة اشغال أخرى لخدمة الاردن ، مثلاً فرص عمل في قطاع الزراعة ، بما في ذلك قطاع إنشاء البنية التحتية الزراعية أو الاصلاح الزراعي الذي يشمل بناء السلاسل وغرس الاشجار لتصبح الاراضي مستصلحة ومؤهلة للزراعة ، فالامل أن لا يعود الشباب بعد إنهاء مدة التدريب ( ثلاث أشهر ) الى الدائرة الاولى والوضع السابق بمعنى دون عمل وانضباط ، يجب أن يصبح الشباب جزء من مجتمع يشاركون فيه خدمة لأوطانهم ومساهمين في بناء الوطن بدلاً من الجلوس في المنزل وهدر أوقاتهم على انشطة غير مجدية على الهاتف والانترنت ، بل الغاية المرجوة هي تقدمهم وعدم عودتهم للوراء بدون عمل .
أعتقد أنه لا يكفي أن تقتصر المدة على ثلاثة شهور فقط ، بل يجب أن ينخرطوا في العمل ، فعلى سبيل المثال هناك قطاعات يمكن أن يعملوا فيها بعد اكسابهم بعض المهارات الخاصة بها كالعمل في التجارة وأعمال النجارة والحدادة والسباكة وغيرها من الاعمال المطلوبة في مجتمعنا والتي نجد الشباب يعزفون عنها للأسف ، لذا فان تدريبهم من قبل المختصين بهذه المجالات تمكنهم من خوض سوق العمل ، وتكسبهم الجدية الحقيقية في الانخراط بالعمل ، إن الموضوع هنا ليس فقط مدة الثلاث شهور ولكن ماذا بعد هذه المدة، والتي تشكر على توفيرها الدولة الاردنية وبمبادرة من سمو ولي العهد الامير الحسين بن عبد الله الثاني ، هذا القرار الوطني المهم الذي يحرص على فئة الشباب ويسعى بكل موضوعية الى صقل شخصياتهم واكسابهم قيم الانضباط من قبل قواتنا المسلحة الاردنية مصنع الرجال ومدرسة الوفاء والانتماء للوطن ، وبالنتيجة الهدف هو ان يصبح الشباب الاردني رجالاً على قدر من العزيمة والانضباط لخدمة وطنهم الغالي ، غيورين عليه في كل الاوقات والظروف وأمام كل التحديات والمصاعب ، فالشباب بناة الغد والمستقبل ورجالات الاردن الذين سيرسمون ويحددون مستقبله المشرق .