– عاطف أبو حجر
وفي لفتة تقديرية تعكس قيمة الموهبة الحقيقية، قام معالي وزير الثقافة بتكريم أبو الحروف تقديراً لإبداعه الاستثنائي وإسهاماته في إثراء المشهد الثقافي والإعلامي. هذا التكريم لم يكن مجرد احتفاء بقدراته الذهنية الفريدة، بل اعتراف رسمي بأن الإبداع يأخذ أشكالاً متعددة، وأن الثقافة لا تنحصر في الأدب والفنون التقليدية، بل تتسع لتشمل كل ما يثير الدهشة ويلهم العقول. لقد كان هذا التكريم بمثابة رسالة واضحة مفادها أنّ أبو الحروف ليس مجرد شخصية استثنائية، بل رمز لقدرة العقل العربي على الإبداع والتجديد.
في زمنٍ تتسارع فيه وسائل الترفيه وتكثر المواهب الفنية، برزت شخصية فريدة من نوعها، لا تعتمد على الغناء أو التمثيل، بل على موهبة عقلية نادرة جعلته حديث الجمهور والإعلام. إنّه أبو الحروف، الرجل الذي يذهل مستمعيه بقدرته على عدّ الحروف والكلمات والأرقام بسرعة تفوق الخيال، ليجمع بين الذكاء الفطري والحضور المرح الذي يترك أثراً عميقاً أينما حلّ.
يمتلك أبو الحروف قدرة خارقة على معالجة الكلمات والأعداد ذهنياً. فبمجرد سماع جملة أو نص قصير، يقوم على الفور بإحصاء عدد الحروف والكلمات وحتى ترتيبها، وكأن عقله حاسوبٌ مبرمج بدقة متناهية. هذه المهارة لم تأتِ من فراغ، بل هي ثمرة شغف طويل وموهبة طبيعية جعلته مختلفاً عن غيره.
وعلى غير المتوقع، لم يكن ظهوره محصوراً في الإذاعات أو البرامج الثقافية، بل اقتحم أبو الحروف عالم الفن من بوابة برنامج المواهب الشهير Arab Idol. ورغم أنّ البرنامج يُعنى بالغناء، فإن مشاركته أضافت نكهة خاصة، إذ خطف الأنظار بقدراته الذهنية الفريدة، ليترك للجمهور رسالة واضحة: أن الإبداع لا يقتصر على صوت جميل أو لحن شجي، بل قد يكون في العقل الذي يدهش الآخرين بقدراته.
وفي ظهوره الأخير عبر راديو عين مع الإعلامي المتميز عامر الرجوب، كشف أبو الحروف عن جانب مختلف من شخصيته. لم يكن مجرد عرض لمهاراته الحسابية واللغوية، بل حديث صادق عن مسيرته، التحديات التي واجهها، وكيف استطاع أن يحوّل موهبته إلى مصدر إلهام للآخرين. كان اللقاء مساحة لإبراز إنسانيته وروحه المرحة، إلى جانب ملكاته الذهنية النادرة.
يبقى أبو الحروف حالة فريدة في المشهد الإعلامي العربي؛ رجل تحدّى المألوف وقدم نموذجاً مبهراً لكيف يمكن للإنسان أن يصنع من موهبة بسيطة إنجازاً استثنائياً. من Arab Idol إلى راديو عين، أثبت أنّ الذكاء والابتكار يملكان القدرة على خطف الأضواء تماماً كما يفعل الفن.