قد يظن البعض أن الحديث عن اضطهاد المرأة بات مكررًا أو أنه لا يحتاج إلى مزيد من التحليل، لكنني أختلف مع هذا الطرح. فالمسألة أعقد من مجرد صراع بين رجل وامرأة، أو بين عادات قديمة وحداثة ناشئة. إنني أكتب اليوم من زاوية قد تبدو متخصصة، لأنني أؤمن بأن الاختصاص هو الأصل، وأن فهم القضايا في عمقها لا يتحقق إلا عبر تحليل جذورها الاقتصادية والاجتماعية، حيث يتقاطع البعد الطبقي مع البعد الجندري ليشكلا معًا بنية معقدة من الهيمنة والاضطهاد.
حين نطرح سؤال: لماذا تُضطهد المرأة؟ سرعان ما نجد إجابات تختزل الأمر في عادات وتقاليد، أو في عقلية الرجل الشرقي. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. فالاضطهاد ليس مسألة أخلاقية فردية فحسب، بل هو نتاج بنية اقتصادية واجتماعية متشابكة، تُعيد إنتاج السيطرة والهيمنة بشكل مستمر.
ماركس رأى أن من يملك وسائل الإنتاج يملك السلطة، بينما يظل العامل الذي يبيع قوة عمله خاضعًا للاستغلال. وهنا يظهر مفهوم الاغتراب: أن يصنع العامل سلعة لا يستطيع اقتناءها، فيغترب عن ثمرة جهده. هذا المنطق لا ينطبق فقط على الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا، بل يفسر أيضًا وضع المرأة.
فبحسب إنجلز في كتابه أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، أدّى تقسيم العمل إلى أن يصبح الرجل مسؤولًا عن الموارد الاقتصادية، بينما أُنيط بالمرأة دور الرعاية المنزلية. وهكذا فقدت المرأة السيطرة على أدوات الإنتاج، وأصبحت تابعة اقتصاديًا، ما رسّخ موقعها الأدنى.
لكن المعضلة لا تقف عند هذا الحد. فالمرأة العاملة، حتى لو تساوت مع الرجل في الاضطهاد الطبقي داخل المصنع أو المؤسسة، فإنها تعاني نوعًا آخر من الهيمنة داخل مؤسسة الزواج والعلاقات الأسرية. فهي مضطهدة مرتين: مرة باعتبارها عاملة تحت سلطة رأس المال، ومرة أخرى باعتبارها امرأة تخضع لشروط مؤسّسة الزّواج.
لهذا، فإن اختزال اضطهاد المرأة في كونه “قضية جندرية” فقط، أو في كونه “قضية طبقية” فقط، هو تبسيط مخلّ. الحقيقة أن المرأة تعاني من اضطهاد مركّب، يلتقي فيه ما هو طبقي بما هو جندري. وفي مجتمعاتنا تحديدًا، حيث تفتقر المرأة إلى الموارد المادية وأدوات السلطة، يصبح هذا الاضطهاد أشد قسوة وأكثر تعقيدًا.
إن معركة المرأة ضد الاستغلال ليست معركة ثانوية أو هامشية، بل هي جزء لا يتجزأ من معركة أوسع ضد بنية كاملة من الهيمنة، تقوم على السلطة والمال والجنس. ومن دون تفكيك هذه البنية المركّبة، سيبقى الحديث عن المساواة مجرد شعارات لا تجد طريقها إلى الواقع.
إن تفكيك البنية المركبّة للاضّطهاد ن حيث يتداخل الطّبقي مع الجندري ، ليس مجرد تمرين فكري، بل هو مدخل اساسي لبناء مشروع تحرّري شامِل. فلا يُمكن تحرير المرأة بمعزل عن تحرير المجتمع من الأستغلال الطبقي، كما لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية حقيقيّة من دون مواجهة البُنى الذّكوريّة المتجذّرة. إن ما نحتاجه هو وعي مزدوج يرى المرأة لا ك ” قضيّة فرعيّة” ، بل كفاعِل اساسي في معركة أوسع ضدّ كل اشكال التبعيّة والهيمنة. بهذا فقط يمكن أن يتوقّف موضوع المُساواة ليكون مسألة المرأة وحدها ، ويتحوّل الى مَطلب جماهيري يصُبّ في مَصلحة الرّجل والمرأة ، بل ؛والأسرة برمتّها.
مُدرّسة الفلسفة والتفكير النّاقِد
جامعة الأميرة سميّة