أسئلة العرب الكبرى سؤال التقدم والتأخر؟ سؤال الهزيمة؟ سؤال المصير خليل زعتره

في العقد الأخير من القرن التاسع عشر طرح عبد الله النديم في بحثه عن أسباب تقدم الغرب وتأخر العرب السؤال بهذه الصيغة: “بم تقدم الأوروبيون وتأخرنا والخلق واحد؟” هذا السؤال الفاجع أعاد صياغته شكيب أرسلان سنة 1930 بصيغة أخرى كالتالي: لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ وطرح التنويريون العرب سؤال عبد الله النديم بصيغة أخرى متجددة، متسائلين: لماذا تقدم الغرب وتخلف الشرق؟
الإجابة على هذا السؤال التاريخي والحضاري والفلسفي فتح في الساحة الثقافية معارك فكرية كبرى بين النخب، فتنوعت الإجابات بفعل تعدد القوى الاجتماعية المحلية وسيطرة قوى الاستعمار واختلاف حالات التردي في بلاد الشرق، فقامت الثورات ضد الاستعمار والقيادات المحلية التقليدية المتحالفة معه، لكن الإجابة على هذا السؤال بقيت دون حل، فالزمن يسير للأمام ومعه تختلف حيثيات الواقع العربي وتختلف حيثيات الواقع الاستعماري الغربي، لذلك كلما لمست الإجابة أفقاً أضاعته بسبب التغيرات السياسية المستجدة على المقدمات والواقائع والأسباب، فأصبح هذا السؤال القديم يمتد مع الزمن بلا جواب شافي وافي.
بانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سنة 1948 اصطدم العرب بسؤال الهزيمة التي من نتائجها أسست الدولة الصهيونية وأعمال التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.ومن أبرز من طرح السؤال قسطنطين زريق في كتاب بعنوان “معنى النكبة” جاء في صفحته الأولى “سبع دول عربية تعلن الحرب على الصهيونية في فلسطين، فتقف أمامها عاجزة ثم تنكص على أعقابها. خطب نارية يلقيها ممثلوا العرب في أعلى الهيئات الدولية منذرة بما ستفعله الدول والشعوب العربية إن صدر هذا القرار أو ذاك. وتصريحات تقذف كالقنابل من أفواه الرسميين لدى اجتماعات الجامعة العربية ثم يجدّ الجدّ فإذا النار خافتة باهتة، وإذا الصلب والحديد صدى ملتو سريع العطب والتفتت”، وطرح عارف العارف السؤال في كتابه “نكبة فلسطين والفردوس المفقود”، وقال في مقدمته للكتاب “قد يذكر التاريخ غداً أن حفنة ما كان يؤبه لها من شذّاذ الآفاق تغلبت على أربعين مليون عربي”، ومن تداعيات هزيمة 48 وقوع انقلابات عسكرية في عدة بلدان عربية رداً على “الاستعمار” والنخب التقليدية الحاكمة، فانهارت النظم السياسية الكبرى في المنطقة العربية وسيطر حكم العسكر بشكل مطلق في عصر الحرب الباردة وثورات التحرر الوطني.
تكررت هزيمة العرب مرة ثانية سنة 67، فأعيد طرح سؤال الهزيمة بصورته التقليدية بين النخب القومية واليسارية، ونشأت حالة ثورية اسلاموية في أعقاب الهزيمة صاحبها ظهور الحركات الثورية الفلسطينية وجاء السؤال بعد الهزيمة مركباً: لماذا هزمنا؟ لماذا تأخرنا؟ لماذا لم ننهض؟ وانحصرت أجوبة النخب في الجانب الثقافي الحضاري، ولم تنفذ الأسئلة في التربة السياسية الصلبة والمحاطة بأسيجة الاستبداد والتسلط والقمع.
لقد احدثت الهزيمة تصدعات هائلة في المنطقة العربية تمظهرت في الحروب الأهلية، والحرب العربية- الاسرائيلية، وتوجه مصر نحو السلام مع اسرائيل، وصعود الإسلام السياسي، وإقليمياً شهدت المنطقة حرب الخليج الأولى، وعلى المستوى الدولي انهار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، بعدها قام العراق باحتلال الكويت، ثم انطلقت اعمال مؤتمر مدريد للسلام بين العرب و”إسرائيل” الذي اسس لمبدأ “الأرض مقابل السلام”، وفي 2003 اسقطت أمريكا نظام صدام حسين، وفي 2004- 2005 بدأت إرهاصات ما أطلق عليه لاحقاً “الربيع العربي”، فانفجرت الثورات الشعبية والثورات المضادة إلى أن وصلنا اليوم إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة، كل هذه الأحداث طرحت سؤالاً وجودياً على عرب اليوم وهو سؤال المصير!