فيروز لكل وقت – عاطف أبو حجر

 

في بلاد الشام – وتحديدًا في الأردن ولبنان وسوريا – هناك عُرف غير مكتوب، قانون غير معلن، تشعر أنه مفروض بقوة القهوة المُرّة… وهو:
“ممنوع تبدأ يومك بدون صوت فيروز، وإلا فإن النظام الاجتماعي ينهار مثل شبكة الإنترنت إذا انقطعت الكهرباء!”

يعني إذا ما شغّلت “نسم علينا الهوى” أو “كان عنا طاحونه” الساعة 7:13 صباحًا، بتحس إنك خرقت الميثاق العائلي، وسكّان البيت ممكن يعملوا إضراب.

يا أخي، شو دخل صوت الست فيروز بفنجان القهوة والخبز المحمّص؟
شو العلاقة بين “يا أنا يا أنا” ومعجون الأسنان؟
ولما كانت فيروز تغني عن “شادي”، هل كانت تقصد شادي داود نسيبي؟

ولحد اليوم ما عرفنا مين شادي: عامل أُذن من طين وأُذن من عجين، والست بتنادي عليه من سنين… وشادي مطنّش من سنين وعاملك حظر.
يعني يا فيروز، الست ما قصّرت، وإحنا كمان حفظنا الأغنية، بس الزلمة واضح إنه خارج الخدمة من البداية.

الناس اختزلوا تراثها بصحن فطور، وصار صوتها مثل الفلتر اللي لازم ينحط أول اليوم عشان ما ينخرب المزاج.
وكأنها مش فنانة… كأنها موظفة حكومية: دوامها يبدأ مع طلوع الشمس وينتهي قبل تجهيز طبخة الغداء!

ليش الصبح؟ شو عملت فيروز؟
من وين أجت الفكرة العبقرية إنو فيروز صوت صباحي فقط؟
هل لأنها قالت: “طلعت يا محلى نورها”؟
ولا لأنها اعترفت: “بتذكر آخر مرة شفتك كانت الصبح”؟

آه، حلو الصبح، بس كمان فيروز عندها:
“بكتب اسمك يا حبيبي ع الحور العتيق”… وهي أغنية ما تنفع إلا قبل ما الواحد ينام ودماغه معلّق بنقطة الصفر.
وفي “ليلي كان طويلاً”… من اسمها نعرف إنها مش أغنية فطور ولا مناقيش زعتر وبيض وجبنة.

فيروز: الست اللي غنّت كل شيء… حتى السيارة المعطّلة!
غنّت عن الحب، السياسة، الوطن، الطفولة، الأمل، الضياع، عن بيت بعيد، وعن سيارة تعطّلت ومش راضية تمشي!

وين تروح عنك لما تقول:
“سكّروا الشبابيك، السيارة مش عم تمشي”
يعني الست مش بس للروقان… الست عاشت معاناة حتى بأزمة المواصلات. ما كانت دايمًا رايقة.

وغنّت لـ:

ريما اللي بدها تنام وإحنا مش قادرين ننام.

“يا ريتني طير”: وكلنا بدنا نطير من فواتير الكهربا والمياه.

“بكتب اسمك يا حبيبي”: كل ما نحاول ننسى اسم حدا من الماضي.

“ولعلي ولعودة الرنّان”: واللي لليوم مش فاهمين مين هو وليه راجع.

بصراحة، الموضوع خرج عن حدّه. إحنا مش بس بنسمع فيروز الصبح… إحنا بنجبر ضيوفنا يسمعوا:
“اقعد بكير يا رجل، خليك… بدنا نحط فيروز”
حتى لو الزلمة جاي مش طايق حاله، وزوجته مسمّعته السيمفونية السابعة بالنكد!

صارت فيروز صباحية أكتر من صوت المنبّه، أكتر من جرس المدرسة، حتى أكتر من صياح ديك الحيّ.

اللي مش فاهم: هل صوتها فيه شفرة سرّية بتخلي الدم يشتغل؟
طب جرّبت تحطها بالليل؟ ما صار إشي غلط والله.

الحقيقة؟ فيروز لكل وقت.
فيروز مش بس صوت صباحي… فيروز ذاكرة. فيروز شعور.

بس خلونا نعيد النظر، نوزّعها على باقي اليوم شوي:

فيروز للمساء؟ جرّب “رجعت الشتوية” وراقب المطر من الشباك.

فيروز للسهرة؟ شغّل “حبيتك بالصيف” واشرب كاسة شاي بميرمية.

فيروز للأزمة؟ “يا رايح عالبلد” وإنت عالق بشارع مزدحم.

فيروز بعد الفُراق؟ “أنا لحبيبي” (إذا بعده بيستاهل).
وأخيرا أغنية على سطح البلدية، اقترح تشغيلها أثناء مراجعتك للدوائر الحكومية، علّها تُسهِّل وتفكّ عُقد بوز الشبرين لموظفٍ متهاوش مع زوجته قبل ما يطلع من الدار، وأكيد جاي يحط حرّته بالمراجعين.

نحبك يا فيروز، بس لازم نتحرر شوي من سجن التوقيت…
صوتك مش محصور بين فنجان قهوة صباحي، ولا كاسة شاي بميرمية، ولا بفطور ريفي.
صوتك مش مؤقت بـ “قبل الدوام” وممنوع بعد الغداء.

فيروز مش نظام تشغيل صباحي… هاي فنانة، مش منبّه!