في قلب الاستراتيجية الأمنية للكيان الصهيوني، تكمن سياسة الاغتيالات الخارجية التي لطالما كانت إحدى أدواته الرئيسية لضرب من يراهم تهديدًا لأمنه القومي. فمنذ تأسيسه، اعتمد الكيان على أذرعه الاستخباراتية والعسكرية لتنفيذ عمليات تصفية دقيقة. لكن هذه السياسة، التي اتسعت بشكل لافت مؤخرًا لتشمل عواصم ودولًا لم تكن في دائرة الاستهداف سابقًا، لا تخلو من مخاطر وتحديات.
في تطور نوعي، تحولت هذه العمليات من مجرد استهداف فردي إلى “حرب ظل” شاملة، لا تقرأ لها حدود. اغتيال إسماعيل هنية في طهران وصالح العاروري في بيروت، بالإضافة إلى محاولة اغتيال قادة آخرين في الدوحة، جميعها تشير إلى رسالة واضحة: لا مكان آمنًا لقيادات المقاومة. ومع ذلك، فإن هذه العمليات لم تكن ناجحة دائمًا، فقد فشل الكيان في اغتيال خالد مشعل في الأردن عام 1997، كما نجا كبار مسؤولي حماس من الهجوم الأخير في الدوحة، وهناك عمليات أخرى قد تكون فشلت دون الإعلان عنها. هذه الإخفاقات تبرز حدود القدرات الاستخباراتية للكيان، وتؤكد أن الأهداف ليست دائمًا في متناول اليد.
يعتمد الكيان على غطاء سياسي أمريكي لتنفيذ هذه العمليات، حيث توفر واشنطن دعمًا صريحًا أو ضمنيًا، سواء عبر التصريحات التي تبرر هذه الاغتيالات أو عبر استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع أي قرارات تدين هذه الأفعال. هذا الدعم يمنح الكيان هامشًا واسعًا للمناورة وتجنب المساءلة الدولية، مما يجعله أكثر جرأة في انتهاك سيادة الدول.
واستبقت مصر أي مغامرة صهيونية قد يقوم بها نتنياهو، عبر توجيه رسائل شديدة اللهجة. فقد كانت العمليات الصهيونية على أراضي الدول المختلفة، بما فيها محاولة الاغتيال الفاشلة في الدوحة، بمثابة جرس إنذار للقاهرة، مما دفعها للتحرك السريع واستخدام ثقلها الدبلوماسي والأمني لوضع خط أحمر واضح أمام الكيان.
تعتمد عمليات الاغتيال الصهيونية على هيكلية تنفيذية معقدة، قد تتنوع بين عمليات الموساد الخالصة، والعمليات المشتركة التي يشارك فيها كامل مجتمع الاستخبارات، وصولًا إلى العمليات العسكرية الخالصة بناءً على معلومات استخباراتية بشرية وتقنية. هذه المرونة في التنفيذ سمحت للكيان بتحقيق نجاحات ملحوظة، لكنها لم تمنع الفشل في حالات أخرى.
بقدر ما تبدو سياسة الاغتيالات فعالة على المدى القصير، فهي تحمل في طياتها مخاطر استراتيجية كبيرة على المدى البعيد. يمكن أن تؤدي هذه العمليات إلى تصعيد إقليمي غير محسوب، كما أنها تنتهك سيادة الدول، مما قد يؤدي إلى عزل الكيان دبلوماسيًا. والأخطر من ذلك، أنها قد تخلق ردود فعل عكسية، حيث تدفع إلى ظهور قيادات جديدة أكثر تطرفًا وتزيد من حماس الأفراد على الانضمام إلى صفوف المقاومة. في النهاية، يمكن القول إن هذه الاستراتيجية الأمنية الفعالة على المدى القصير هي مخاطرة كبيرة على المدى الطويل.