عبدالله بني عيسى يكتب :مجرد حنين

الصحافة، تلك المهنة التي صاغت الوعي العام، وبنى الصحفيون أمجادها بعرقهم وأعمارهم وصحتهم، تبدو اليوم وكأنها تقف على أعتاب زمن مختلف. لم تعد الحكومات تراهن عليها، ولا القراء ينتظرونها عند الصباح، فيما اختطفت “جوجل” و“فيسبوك” و“تويتر” و“يوتيوب” جمهورها وإعلاناتها، وأصبحت هي صاحبة الكلمة العليا في تشكيل الرأي العام وصناعة النجوم.
ومع ذلك، ليس كل ما أنتجته هذه المنصات كان تافهًا أو بلا قيمة. فقد أتاحت أيضًا محتوى رصينًا، وفتحت المجال لصحافة رقمية مستقلة، ومنحت كثيرين فرصة للتعبير وكشف الحقائق بطرق لم تكن ممكنة من قبل. غير أن ميزان القيمة ظل مختلاً: كيف يمكن لمؤسسة يعمل بها عشرات الصحفيين والمصورين والمحررين أن تخسر السباق أمام محتوى عابر يُنتج في دقائق لمجرد أنه يثير الفضول أو الغرائز؟
على مدى أكثر من قرنين، كانت المطابع تصخب بالورق، وكانت الصحف تزلزل عروشًا وتُسقط حكومات، وتدفع في المقابل أثمانًا باهظة، لكنها ظلت ملكة لا ينازعها أحد. أما اليوم، فقد تغيّر المشهد: معارك الصحف مع الدول العظمى أصبحت من الماضي، ورئيس أقوى دولة في العالم يخوض سجاله مع منصة تواصل، فيما تُركت الصحف العريقة على الهامش.
الوقوف في وجه هذه التحولات موقف عدمي، فالزمن لا يرحم من يرفض التغيير. وما أكتبه ليس دفاعًا عن الورق بقدر ما هو حنين لمرحلة بذل فيها زملاؤنا وأساتذتنا جهدًا استثنائيًا، وتقديرًا لعظمة ما صنعوه في تلك الحقبة.
أنا شخصياً اخترت الإعلام الرقمي، وأعيش واقعيًا في تفاصيله ولغته وإيقاعه، لكنني وجدانياً ما زلت أنتمي إلى ذلك الماضي، إلى صخب المطابع ورائحة الورق، وإلى زمن كان فيه الصحفي سيد المعلومة وملك الحقيقة.
الصورة بعدسة بشار الخمايسة أثناء حضوري اليوم ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال في عمان.