الذكاء الاصطناعي بين الفرصة والخطر
البودكاست.. الخلل ليس في الجمهور أو المحتوى
الصحف الورقيّة وضرورة التغيير في المحتوى
انطلقت في أروقة ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال، المنعقد اليوم السبت في عمّان تحت شعار الإعلام من الحرية والحماية إلى التمكين والتغيير، جلسات موازية متزامنة سبقت الجلسة الافتتاحية الرسمية؛ إذ وفّرت مساحة واسعة للحوار وتبادل الرؤى حول قضايا متخصّصة شملت الصحافة الورقية والذكاء الاصطناعي والبودكاست.
الذكاء الاصطناعي حرب تهدد نزاهة المحتوى
وتحدث في جلسة بعنوان “الذكاء الاصطناعي حرب تهدد نزاهة المحتوى .. تجارب في تدقيق المعلومات” كل من الخبير الإعلامي خالد برماوي، ومديرة شركة الحلول الرقميّة للتصميم عبير أبو طوق، ويسّرت الجلسة انتصار كريشان.
وتناولت مديرة شركة الحلول الرقميّة للتصميم عبير أبو طوق ضرورة الاطلاع على التجارب وإسقاطها على الواقع واستغلال الذكاء لاصطناعي وعدم المبالغة في المخاوف، مشيرةً إلى أهمية الوعي والتدريب سواءً على مستوى الأفراد أو المؤسسات، ومعرفة الجوانب السلبية، منوهةً إلى أنها باتت أقل في الوقت الحالي.
وقالت إن هناك أدوات لتدقيق المعلومات والتحقق منها غير أنها بحاجة لتطوير أكبر كما أن هناك حاجة ملحة للصحفيين والإعلاميين للتحقق كونهم معنيين بالحقيقة أكثر، مضيفةً أنَّ على المؤسسات توفير هذه الأدوات وتأهيل العاملين، موضحةً ضرورة الحرص على زيادة الوعي والثقافة مع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، ومع ذَلك لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري مقابل التكنولوجيا.
واختلف الخبير الإعلامي خالد برماوي معها بأن الجوانب السلبيّة باتت أكثر في الوقت الحاضر، وأصبح من الضروريّ الخوف أثناء التعامل مع الذكاء الاصطناعي والحذر في التعامل معه خاصةً مع عدم القدرة على توقع مستقبله؛ إذ توقع أن يكون هناك ما وصفه بالانفجار بسبب مضاعفة قدرات الذكاء الاصطناعيّ وتدفق البيانات بالتوازي مع إمكانيات المهندسين والمطورين.
وأضاف إلى أن مرحلة التطور تمر بثلاث مراحل وهي استخدام الذكاء الاصطناعي المحدود ” Naro AI ” والتي تعني قدرة الاداة على مواكبة مهارة واحدة وهو لا يحاكي المهارات البشرية، أما المرحلة الثانية القادمة وهو الذكاء الاصطناعي العام ” General AI ” والتي تتطلع لمحاكاة اعلى من الذكاء البشري، ومع التطور ستظهر مرحلة “ Super AI “ والتي قد تؤدي لعدم القدرة على السيطرة نتيجة السباق المحموم بين الشركات.
وعن الامان والخصوصية في استخدام الذكاء الاصطناعي أشار البرماوي إلى وجود مخاوف من استخدام البيانات وبيعها، لافتًا إلى غياب القيم والرغبة لدى المطورين في السيطرة على الانفلات نتيجة توجههم نحو الربح مع عدم وجود ضوابط أو قوانين ناظمة رغم وجود جهد من الاتحاد الاوروبي لإيجاد تشريع رغم أنه غير كاف، على حدّ وصفه. وشدد على وجود تراجع واضح لبعض الوظائف مع وجود أُخرى قابلة للاستبدال، وهو ما أدى لزيادة أرباح الشركات.
وحول الصحافة التقليدية مثل الصحافة الورقية والتلفزيون اتفق المتحدثان على تراجع دورهما أمام الصحافة الرقمية؛ إذ أن محور الصحافة هو ايصال المعلومة وليست الأدوات وأن على المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي مضاعفة الجهود لمواكبة التطور التقني في العمل الصحفي وكذلك تطوير قدرات العاملين فيها.
البودكاست يكتسح
وناقشت جلسة متخصصة موضوع “البودكاست يكتسح.. فن جديد أم موضة زائلة؟”، وتحدث فيها مقدّم برنامج صوت المملكة عامر الرجوب، والرئيس التنفيذي لصدى بودكاست محمد العموش، ويسّرتها الصحفية هبة جوهر.
وانتقد مقدّم برنامج صوت المملكة عامر الرجوب واقع البودكاست في الأردن، معتبرًا أنه أصبح أقرب إلى “موضة” منتشرة، وليس صناعة حقيقية ناضجة. وقال إن كل من يمتلك “ميكروفونات” بات بإمكانه دعوة شخصية والتحاور معها، إلا أنَّ ما يُقدّم غالبًا لا يتجاوز كونه حلقةً تلفزيونيةً تقليديةً، تهيمن فيها شخصية المقدم على المشهد، بينما من المفترض أن يكون الضيف هو نجم الحلقة.
وأضاف أنَّ “المحاور يجب أن يكون حضوره بسيطًا، لأن الهدف هو الاستفادة من الضيف. متابعًا “نحن نقلد البودكاست ولا ننتجه، وغير قادرين على صناعته حتى الآن، وإن كنت لا أعمم.” مشيرًا إلى تحوّل البودكاست من كونه محتوىً صوتي إلى ما يُعرف اليوم بـ”فودكاست” -أي بودكاست مصوّر- يعتمد على لقطات جذابة وموسيقى خفيفة لجذب الانتباه. لكنه تساءل عن مدى فعالية هذه الطريقة في إيصال المحتوى، متسائلًا “عندما يشاهد أحدهم مقطعاً قصيراً (ريل)، كم شخصا منهم يكمل الحلقة كاملة؟ لقد أصبحت الحلقات أشبه ببرامج تلفزيونية”، وأن الجيل الحالي لا يهتم بفتح القنوات التقليدية، بل يريد الوصول إلى المحتوى الذي يختاره، وفي الوقت الذي يناسبه.
وأوضح الرجوب أن الفرق الجوهري بين البودكاست ووسائل الإعلام التقليدية يكمن في طبيعة التمويل والمحتوى؛ فبرامج التلفزيون ترتبط بالإعلانات، فيما تُقيَّد البرامج الإذاعية بالأوقات الزمنية والرعايات، أما البودكاست، فلا يخضع لأي من هذه المحددات. مبينًا أن الشباب في الأردن بدأوا بتشكيل مبادراتهم الفردية؛ إذ يجتمعون لشراء آلات تصويرٍ، وإضاءة، و”ميكروفونات”، وينتجون محتوىً خاصًا بهم على منصات التواصل الاجتماعي، مدفوعين بأمل تحقيق مشاهدات عالية تفضي إلى دخل بسيط لهم.
ويرى أن أحد أبرز التحديات التي تواجه انتشار حلقات البودكاست هو غياب ثقافة الاستماع لهذا النوع من المحتوى، مؤكدًا أن كثيرين لم يكونوا ليتابعوه لولا انتشاره الواسع وفرضه نفسه على الجمهور. قائلًا “أنا شخصيًا من جيل الإعلام التقليدي، أتابع الأخبار صباحًا في وقت محدد، وأطّلع على الأخبار العاجلة عبر المواقع، بينما الجيل الحالي – خاصة الطلاب – يملكون مهارات رقمية وتكنولوجية لم نمتلكها نحن، وهم قادرون على إنتاج المحتوى بأنفسهم”.
وفيما يخص أدوات الترويج، شدد على أهمية المقاطع القصيرة (الريلز) بوصفها وسيلة فعالة لجذب المشاهدين؛ لأنها تعرض أجمل ما جاء في البودكاست”. وردًا على سؤال من الجمهور حول مستقبل البودكاست، قال إنَّ البودكاست الحقيقي سيبدأ عندما تنحسر موجة “التريند”. لافتًا أنَّ الذي يقرأ لا يقع، في إشارة إلى أهمية التحضير الجيد، وفهم المحتوى قبل التقديم.
وفي سياق متصل، أكد الرئيس التنفيذي لمنصة “صدى بودكاست”، محمد العموش، أن الأرقام وحدها كفيلة بتوضيح أهمية صناعة البودكاست عالميًا، مشيرا إلى أن القيمة السوقية للبودكاست في العالم بلغت 30 مليار دولار في عام 2024. مضيفًا أنَّ البودكاست بدأ فعليا في الولايات المتحدة عام 2004، ومنذ ذلك الحين تطورت هذه الصناعة حتى أصبحت ناضجة ومتقدمة.
وأشار إلى أن نسبة النمو السنوي في هذا القطاع تبلغ نحو 27%، ومن المتوقع أن تصل قيمة سوق البودكاست إلى 131 مليار دولار بحلول عام 2030، مما يدل على أنه ليس “تريندًا مؤقتًا”، بل سوق ضخم قائم على المعرفة والمحتوى النوعي.
وحول تجربة “صدى بودكاست”، أوضح العموش أن المنصة انطلقت قبل خمس سنوات إدراكًا لحجم النقص الكبير في المحتوى العربي، قائلًا “الشعوب العربية لا تملأ الفراغ، لكنها تحتاج من يُكمل هذا الفقد عبر إنتاج محتوى حقيقي”. فيما أنتجت المنصة خلال هذه السنوات ملايين الساعات من البودكاست، سعيًا لسد الفجوة في المحتوى الصوتي العربي، على حدّ قوله.
وبيّن أن الفارق بين صانع المحتوى في الوطن العربي ونظيره في الولايات المتحدة لا يكمن فقط في الأدوات، بل في العائدات أيضا. فسواءً كان لصانع البودكاست في العالم العربي مستمع واحد أو مليون، فهو في الغالب لا يحقق دخلًا يذكر، موضحًا أن جمهور اليوم لا يتفاعل بناءً على الإعجاب بالشخص أو المؤثر، بل يبحث عن محتوى قادر على شد انتباهه.
ورداً على أسئلة الحضور، أكد العموش، أن جوهر البودكاست يكمن في كونه مساحة حرّة، بلا ضوابط أو سياسات تحريرية صارمة، وهو ما يجعله أكثر راحة وانفتاحًا للمشاركين والمستمعين على حدّ سواء. قائلًا “البودكاست وُجد ليكون بلا تحفظ، لكن لو خرج أحد ليقدّم معلومات مغلوطة، يمكن لآخر أن يقدّم البديل الصحيح. الفرصة والمساحة متاحة للجميع، ولا يشترط أن تكون إعلامياً”.
ونوّه إلى أنَّ البودكاست يمثّل “خدمة حسب الطلب”، أي أن الجمهور هو من يختار ماذا يشاهد ومتى، دون أن يُفرض عليه محتوى لا يرغب به. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن الاستدامة في البودكاست صعبة للغاية، وأنَّ من الضروري أن تحقق الحلقات الأولى تفاعلًا وجمهوراً واضحاً، ولا يمكن لصانع البودكاست أن يتوقع الربح السريع، أو أن يصبح غنيًا من خلاله مباشرة.
وعن التحديات التي تواجه صناعة البودكاست، شدد العموش على أن الخلل لا يكمن في الجمهور أو المحتوى، بل في التجربة بحد ذاتها، وأن من اجتهد وأخطأ فله أجر، ومن اجتهد وأصاب فله أجران. وعند سؤاله عن مستقبل الإذاعات، رد “لا أعرف إن كانت ستنتهي، لكن بالتأكيد شكلها تغيّر. ومع ذلك، الإذاعات تمتلك كل المقومات التي تؤهلها للتكيّف مع البودكاست”.
الصحف الورقية والتحولات الرقميّة
فيما تحدث في جلسة “الصحافة الورقية والتحولات الرقمية.. حقيقة أم شراء للوقت قبل الوداع؟” رئيس تحرير صحيفة العربي الجديد معن البياري، رؤيس تحرير جريدة الغد مكرم الطراونة، ورئيس تحرير جريدة الرأي خالد الشقران، ويسّرتها كاثي فراج.
وتحدث ا رئيس تحرير صحيفة العربي الجديد معن البياري عن واقع الصحافة الورقية الذي يشهد تراجعًا ملموسًا في الانتاج اليومي وتراجعها في أن تكون مصدر أولي لأخذ الأخبار المستجدة وآخر الأحداث، لا سيما وأن آخر الدرسات التي اطلع عليها أكدت أن في بحث حول مصادر الأخبار المعتمدة لدى المتلقي بينت تراجع الصحف الورقية إلى آخر المصاف بنسبة 1% وانها لم تعد تشكل مصدراً رئيسي للأخبار، على عكس المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي.
وتابع أن الصحف الورقية بات لديها جيل محدد يحب الجلوس صباحًا واحتساء فنجان القهوة وبيده صحيفة ورقية، إلا أنَّ هذا لا ينطبق على الجيل الجديد والشباب، ما يعني أن قيمة الصحف المهمة موجودةٌ في أماكن مخصصة لشخصيات محددة مثل؛ مكاتب الوزارات، والرؤساء، والطيارات، وجيل قديم من الآباء والأجداد.
وأكد البياري أن الدفاع عن الصحف الورقية لوحدها، حالة انتحارية بالكامل لا سيما وأن العصر يمشي سريعاً والرقمنة أصبحت واقعاً لا بد منه ويجب مواكبته والتطور معه والتماشي بأحدث الإمكانيات والقدرات.
فيما لفت رئيس تحرير جريدة الرأي خالد الشقران إلى أن التحول الرقمي أصبح أمرًا ضروري، قائلًا إنَّ هذا ما سعت إليه صحيفة الرأي فتقدمت بأولى الخطوات بإمكانياتها وقدراتها، غير أنَّ هذا لا يعني أن الصحيفة الورقية انتهت، وإنما تراجعت لأسباب عديدة أمام الوضع المالي الصعب الذي تعانيه الصحف كافة، مؤكداً أن الصحيفة لديها القدرة على المواكبة والتحول رغم المعيقات.
وأضاف أن المشكلة التي تعانيها الصحف بالعموم هي الإعلانات الحكومية والقضائية وأنها أساس عمل الصحف وانقطاعها يشكل تحدي وصعوبة كبيرة، موضحًا أن الصحف الورقية أصبحت جزءًا من مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي.
في المقابل أكد رئيس تحرير صحيفة الغد مكرم الطراونة أن السؤال الأبرز يجب أن يكون، “هل هو اختفاء الورق أم اختفاء المحتوى؟”، لأن ما يغذي الصحف الورقية، المحتوى حسب قوله.
وأضاف أن الصحيفة قامت بعمل دراسة وتبين أن انتاج الصحيفة للصحف أكبر منه للمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ما دعا الصحيفة إلى التطوير والعمل على الإندماج في الرقمنة والتحول، مبينًا أنه تم استدعاء واستقطاب جيل جديد من الصحفيين وأصحاب الاختصاص وكان هذا يشكل تحدي كبيراً، خاصة وأنه ما زال هناك عدد كبير من الصحفيين ذوي الخبرة لم يتأقلمو مع الرقمنة وضرورة التحول وإنما كان إيمانهم بالكامل في قيمة الصحف الورقية.
وتابع الطراونة أن الثورة التي حدثت في “البودكاست” شكلت تحديًا كبيرًا أمام صنع ما هو مميز خاصة وأن المعظم يعتقد أن وجود “كاميرا، أريكة، وكوب قهوة” يعطيه الأحقية في البدء ببرنامج خاص للبودكاست، خاصة وأن المواطن الصحفي شكل حالة فوضوية لكثرة من اعتقد نفسه صحفي لمجرد حمله أحدث الأجهزة والتصوير.
فيما أبدى الشقران رأيه مؤكدًا أن التغيير في المحتوى أصبح ضرورة، ووضعنا ليس سليمًا كإعلام عربي مع صفحات التواصل الاجتماعي خاصة وأننا نعاقب على نشر خبر معين، أو مواقف سياسية أو آراء. قائلًا إن أكبر مثال هو سياسات فيس بوك التي تمنع نشر ما شاءت الصفحة من أخبار، ما يجعل نشر الخبر محدود ويتم تقليله ويصعب نشره.
من جانبه أوضح الطراونة أن السياسة التحريرية تختلف من صحيفة لأخرى وهذا ما يميز واحدة عن أخرى أو يجعلها أكثر قراءة من غيرها، فالصحيفة التي تقدم مادة صحفية دسمة كاملة تختلف عن الصحيفة التي تقدم مادة سطحية، مؤكداً أن الملكية الفكرية إحدى الاسباب التي تضر الصحف.
وأكد رؤساء التحرير في إجاباتهم على مشاركات الحضور أن الدعم الحكومي كان لا بد منه في الاعلانات القضائية والحكومية، وبحاجة الصحف إلى ربط اجتماعي حتى تظل الصحف تعبر عن حالة الشعب، موضحين أن الثقة في صفحات التواصل الاجتماعي لا يجب أن تكون كبيرة وعمياء إلى هذا الحد خاصة وأن المواقع والتواصل الاجتماعي مليئة بالاشاعات والأخبار المغلوطة
وبدأت فعاليات الملتقى في دورته الثالثة بمشاركة أكثر من 750 إعلاميًا وإعلامية وناشطًا وصانع محتوى وخبيرًا إلى جانب ممثلين عن مؤسسات دولية من مختلف أنحاء العالم.
الملتقى الذي أطلقه مركز حماية وحرية الصحفيين قبل عامين، يطرح هذا العام عبر جلساته الممتدة على مدار يومين قضايا محورية تتعلق بحماية الصحفيين وواقع الحريات الإعلامية، إلى جانب التحديات التي تواجه المهنة في ظل النزاعات والأزمات. كما يناقش سبل بناء القدرات والاحتراف المهني في زمن أصبحت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءًا رئيسيًا من صناعة الإعلام، فضلًا عن قراءة تحولات المشهد السياسي في المنطقة وانعكاساتها على الساحة الإعلامية.