عضو مجلس نقابة الأطباء الاردنية
في كل مأساةٍ تمرّ بها أمتنا، وفي كلّ موجةٍ من الصراعات التي تعصفُ بالمنطقة، يظلّ الأردن هو الحضنُ الحنون، والملاذُ الآمن، والأرضُ التي لا تُغلقُ أبوابها في وجهِ من فقدَ وطنهُ وأمّنه. ليس مجردَ بلدٍ على الخارطة، بل هو رسالةٌ في الإنسانية، ورمزٌ في التضامن، ودروسٌ تُكتبُ بماء الذهب عن العروبةِ الحقيقية.
فمنذُ عقودٍ، كانَ الأردنُ أكنافَ بيتِ المقدس، يتنفّسُ آلامَ فلسطين ويحتضنُ أهلها منذ النكبة، لم يكتفِ بالدعمِ المعنويّ، بل شاركَهم أرضهُ، وقوتَه، وهواءه، وامتزجتْ دماءُ أبنائه بدماءِ الفلسطينيين دفاعاً عن مقدساتِ الأمة. وعندما ضربتْ الحروبُ العراقَ ولبنان وسوريا، لم يكن الأردنُ مُشاهداً، بل كانَ بيتاً مفتوحاً يستقبلُ اللاجئينَ من كلّ حدبٍ وصوب، يقدّمُ لهم ما يستطيعُ من عونٍ، ويُشاركُهم لقمةَ الخبزِ رغمَ محدوديةِ موارده.
هذا ليسَ موقفاً سياسيّاً، بل هو فطرةٌ متأصلةٌ في جيناتِ هذا الشعب، وعنوانٌ لسياسةٍ حكيمةٍ، تجعلُ من الإنسانِ محورَ اهتمامها. الأردنُ هو ذلكَ البلدُ الذي يمدُّ يدَ العونِ لليمنِ والسودانِ والصومالِ وليبيا، يُداوي جراحَهم، ويُرسلُ لهم المساعداتِ، ويُوفّرُ لهم المأوى.
إنّ هذا الدورَ الإنسانيَّ العظيمَ لم يكنْ ليتحققَ لولا القيادةُ الهاشميةُ الحكيمةُ التي كانتْ دائماً في طليعةِ المدافعينَ عن قضايا الأمة، تمدُّ يدَ العونِ للجميع، وتُؤمنُ بأنّ قوّةَ الأردنِ تكمنُ في عُمقِهِ العربيِّ والإسلاميِّ. وإلى جانبِ هذهِ القيادةِ، يقفُ الجيشُ العربيُّ المصطفويُّ، درعُ الوطنِ وسياجُهُ، الذي لم يقتصرْ دوره على حمايةِ الحدودِ، بل كانَ أيضاً جيشاً للإغاثةِ والسلامِ، يقدّمُ المساعداتِ في أصعبِ الظروف، ويعكسُ القيمَ النبيلةَ التي قامَ عليها هذا الوطنُ.
وفي قلبِ هذا الكيانِ، تقفُ العشائرُ الأردنيةُ الأصيلةُ، التي شكّلتْ دائماً الحاضنةَ الاجتماعيةَ لكلِّ من لجأَ إلى الأردن. هذه العشائرُ ليستْ مجردَ تجمّعاتٍ، بل هي أساسُ البناءِ الاجتماعيِّ، وهي التي رسّختْ قيمَ الكرمِ والشهامةِ والتكافلِ، وحافظتْ على الهويةِ العربيةِ الأصيلةِ، جاعلةً من الأردنِ نموذجاً فريداً في التسامحِ والتعايشِ.
كم أنت عظيم يا أردن!
كم أنتَ عظيمٌ يا أردن! لستَ عظيماً بمساحتكِ، ولا بثرواتكِ، بل بعظمتِك الإنسانية، وقدرتكَ على الصبرِ، وعلى احتضانِ آلامِ أمةٍ بأكملها. أنتَ لستَ مجردَ وطن، بل أنتَ ضميرٌ عربيٌّ حيٌّ، وشاهدٌ على أنَّ الإنسانيةَ لا تموتُ، وأنَّ الأملَ يولدُ دائماً من رحمِ المحن.