يُجمع المراقبون والمهتمون بلقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو، أن “ملف درعا” في جانبه الأمني بالدرجة الأولى، سيكون الأهم في البحث والتناول ولجهة “تقرير مصيره”. فدرعا ذات أهمية إستراتيجية جغرافيًا وسياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا للأردن، وما يَحدث فيها حتى اليوم، أثَّر وسيواصل تأثيره المباشرة على الأمن الأردني بشموليته، وعلى ملفات إقليمية أُخرى أيضًا.
كان آخر لقاء عُقد بين جلالة الملك والرئيس فلاديمير بوتين في تشرين الأول / أكتوبر 2019، في مدينة سوتشي الروسية، وفي 11 تموز / يوليو 2020، جرى بينهما اتصال هاتفي بحثا فيه، وفقًا للأخبار الرسمية الروسية، توحيد الجهود لمكافحة جائحة فيروس كورونا وملفي سورية وليبيا.، وهو ما يَعني أن الاتصالات الأردنية الروسية على أعلى مستوى متواصلة ولم ولن تنقطع.
سَبَقَ توجّه جلالة الملك إلى روسيا، زيارة ناجحة لجلالته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تَمخَّضَت عن العديد من التفاهمات الخاصة بمنطقتنا. كذلك، عُقد قبل فترة قصيرة لقاء لرئيس مجلس الأعيان السيد فيصل الفايز مع السفير الروسي في عمّان السيد غليب ديسياتنيكوف، تم خلاله بحث واقع “علاقات الصداقة بين البلدين وسُبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات، وأهمية التعاون الثنائي، وتوحيد الجهود المشتركة لمواجهة جائحة كورونا، فضلاً عن التنسيق من أجل عودة الأمن والاستقرار للمنطقة”. كما تم تناول آليات “تفعيل العلاقات الاستثمارية والتجارية بين البلدين والارتقاء بها انطلاقًا من العلاقات الإستراتيجية بين البلدين الصديقين، والعمل على فتح الأسواق الروسية أمام الصادرات والمَنتوجات الزراعية الأُردنية، وتخفيض رسوم دخولها السوق الروسية، وإزالة أيّة مُعيقات تعترض تفعيل الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالجوانب الإقتصادية والسياحية والاستثمارية”. وفي المجال السياسي جرى استعراض مُجمل القضايا الراهنة في المنطقة، وآخر تطورات عملية السلام وحل الأزمة السورية”.
من جانبه، أكد ديسياتنيكوف ضرورة تطوير العلاقات الثنائية، والبِناء عليها في مختلف الفضاءات، وأكد “أن العلاقات الأردنية الروسية قوية ومتينة، تقوم على الاحترام المتبادل وبما يُعزّز الصِّلات الثنائية ويَخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين”.
قبل زيارة جلالة الملك إلى روسيا، وَصَفَ مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، في تصريح صحفي، أن لقاء الرئيس بوتين مع جلالته سيكون “لقاء عمل”.
المملكة الأُردنية الهاشمية دولة محورية بامتياز في جنوب غرب آسيا، وتقع في قلب غرب هذه القارة، وضمن إقليم يتّسم منذ عشرات السنين بارتفاع درجة حرارته. لذا، تهتم الدول الكبرى على اختلافها أنظمتها السياسية والأيديولوجية وتعدّد أهدافها ومراميها، إضافة إلى بلدان هذه المنطقة أيضًا، بأن يَسود الأردن الأمن والاستقرار والسلام، فمن الأُردن تنطلق المبادرات السلمية ودعوات التفاهم وسيادة العقل والمنطق على آليات الحرب والتهديد بالقوة، رغبةً بالوصول إلى السلام الشامل والكامل والناجز وتطبيق القرارات الدولية التي تُركِّز القيادة السياسية المَلكية الأردنية على لزوم احترام الكيان (الإسرائيلي) لها. ناهيك عن أن الأردن يمتلك علاقات متطورة ضمنها عسكرية وأمنية وسياسية مع الدول الكُبرى، بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد كبير من دول الغرب والشرق، التي ترى في الأردن الحليف والصديق الثابت والتاريخي والمأمون لها، ولذلك تَسعى لتطوير علاقاتها مع المملكة، والعمل على تحييد كل الجوائح الحارة عن أراضيها، وصولًا إلى سيادة السلام المُكْتَمِل والتّام.
شخصيًا أعتقد، أن العنوان الأول في ملفات البحث بين جلالة الملك والرئيس بوتين، سيكون مسألة وجود القوات الإيرانية وتلك الفصائل الحليفة لها في جنوب سورية، بخاصةٍ لجهة تقرير أوضاعها نهائيًا، فموسكو تتمتع بعلاقات عميقة ومتطورة مع طهران، وبالتالي يَعتقد كثيرون بأن هذا الوضع سيتم بحثه بشمولية من أجل اتخاذ قرار نهائي لإبعاد هذه القوات عن جنوب سورية، فوجودها الدائم هناك قد يُشكّل لا سمح الله، مجال تأثير سلبي للغاية على أمن الأردن. إضافة لذلك، قد تشتمل المباحثات على بحث سُبل تسريع التعاون الطّاقي بين الأُردن وسورية ولبنان، واستجرار دمشق وبيروت الكهرباء الأردنية، وغيرها من أشكال العلاقات الاقتصادية أيضًا.
زيارة العمل لجلالة الملك إلى روسيا بوتين، تمنح هذه الدولة الصديقة تاريخيًا صدقية مُضاعَفة لجهة ممارسة دور أشمل في منطقتنا، ولضمان أمن شامل لشعوبنا واستقرارها، وهو ما يَصبُ في مصلحة الأردن أيضًا.
*متخصص قديم في الشؤون الروسية والعربية الروسية ويحمل الجنسية الروسية.