رواتب فلكية لمسؤولين أردنيين مقابل حد أدنى لا يتجاوز 400 دولار”

في الوقت الذي لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 400 دولار أميركي، ويتقاضى معظم العاملين متوسط رواتب لا يزيد على 600 دولار شهرياً، يتمتع عدد محدود من كبار المسؤولين برواتب وامتيازات بعشرات آلاف الدولارات شهرياً، في حين تضجّ وسائل التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر، بوثائق مسرّبة تظهر تقاضي بعض المسؤولين رواتب فلكية.
يشهد الأردن تناقضاً صارخاً بين الرواتب المرتفعة لبعض المسؤولين في القطاع العام وبين الواقع المالي الذي تعيشه الدولة، ففي وقت تعتمد المملكة على المنح والمساعدات والقروض الخارجية لتغطية جزء كبير من موازنتها، تحصل فئة صغيرة من كبار المسؤولين على رواتب فلكية، ما يثير تساؤلات جدية حول العدالة الاقتصادية وكفاءة الإدارة العامة. وفي بلد يعيش، منذ عقود، تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، يبرز ملف “الرواتب الفلكية” للمسؤولين كواحد من أكثر القضايا إثارة للجدل في الأردن.
ففي الوقت الذي لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 400 دولار أميركي، ويتقاضى معظم العاملين متوسط رواتب لا يزيد على 600 دولار شهرياً، يتمتع عدد محدود من كبار المسؤولين برواتب وامتيازات بعشرات آلاف الدولارات شهرياً، في حين تضجّ وسائل التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر، بوثائق مسرّبة تظهر تقاضي بعض المسؤولين رواتب فلكية.
امتعاض شعبي
وكان ملف الرواتب الخيالية على الدوام حاضراً تحت قبة البرلمان، ولطالما حرص بعض النواب على فتحه بصفته أحد الأمثلة الصارخة على الهدر المالي غير المبرر، في دولة 20 في المئة من موازنتها تأتي من المنح والمساعدات الدولية. وتم طرح الموضوع في مناقشات الموازنة العامة، وفي لجان برلمانية متخصصة تحت عنوان تجاوزات “الرواتب المرتفعة” أو “امتيازات كبار الموظفين”.
وفي عهد إحدى الحكومات الأردنية السابقة تم التصويت برلمانياً على اقتراح بوضع حد أعلى لرواتب كبار المسؤولين بحيث لا يتجاوز 5000 دولار. ولا توجد أرقام رسمية حول قيمة أعلى الرواتب التي يتقاضاها مسؤولون في الدولة بخاصة مع وجود كثير من الامتيازات التي تضاف إلى هذه الرواتب وتكاد تفوقها، لكن تقديرات وردت في تقارير إعلامية محلية تشير إلى أن بعض هذه الرواتب يفوق ما قيمته 50 ألف دولار شهرياً.
وثمة تقارير أخرى ترصد رواتب بعض المدراء التنفيذيين أو رؤساء مجالس إدارات البنوك والهيئات المستقلة بعشرات آلاف الدولارات، بينما يتقاضى عدد من المسؤولين المتقاعدين رواتب تقاعدية كبيرة نسبياً تقارب 15 ألف دولار شهرياً. وتظهر تقارير ودراسات لديوان المحاسبة مجموعة من الرواتب والامتيازات لمدراء عامّين ورؤساء هيئات من دون ذكر تفاصيل إضافية.
كفاءات تستحق
تبرر الحكومات الأردنية على الدوام هذه الرواتب المرتفعة، بأنها موجهة لذوي الكفاءات والخبرات الخاصة، أو لتشجيع الأداء، والمسؤوليات الكبيرة، وتقول إن ثمة حاجة لجذب كوادر ذات خبرة من القطاع الخاص أو الأجانب لإدارة مؤسسات مستقلة، كجزء من تبرير وجود رواتب أعلى. وكلما أثيرت القضية برلمانياً، تردّ الحكومات بأن هذه الرواتب “حقوق مكتسبة”، وأن تعديلها بأثر رجعي قد يفتح باب نزاعات قانونية.
وكثير من هذه المناصب تكون في هيئات مستقلة أو شركات تعمل وفق معايير تنافسية أو عقود خاصة، الأمر الذي يجعل من الصعب تخفيض الرواتب بعد أن تم تحديدها أو منحها، لأن ذلك قد يضرّ بالحقوق المكتسبة أو العقود.
 وتصرّ الحكومات الأردنية المتعاقبة على أن هذه الحالات استثنائية وأعدادها محدودة، لكن عدم قدرتها على تنفيذ سياسة واضحة وشفافة يثير تساؤلات من قبيل النفوذ، المحسوبيات، وغياب الآليات التنظيمية والتشريعية الفعّالة للمراقبة.
إندبندنت عربية – طارق ديلواني