قبل سنوات وبين أعمدة بعلبك الخالدة، غنّت فيروز يومًا بصوتها العابر للزمن: «أنا مين اللي صحاني من عزّ النوم وصوب عيونك وداني من أول يوم»، فكان لصوتها صدى يختلط بالحجر والتاريخ، كأنها تعلن ولادة عشق لا يموت. وبعد عقود،جاء فضل شاكر ليكمل الحكاية، كأنما يردّ عليها من زمن آخر، فغنّى:
«صحاك الشوق من نومك
وبقلبي تعا كفّي نومك
لا يومي يخلص ولا يومك
إلّا بلقاك يا حبيبي»
وهنا، لم يتوقف الحوار بين الأصوات؛ بل جاء قلمي ليضيف إلى هذا البوح سطرًا جديدًا، ويكمل معزوفة الشوق بكلماته: «صحاك الشوق يا فلانه».
حين يطلّ صوت غاب طويلًا، ويكسر صمت السنوات، ندرك أن الفن الأصيل لا يموت. هكذا فعل فضل شاكر بأغنيته “صحاك الشوق من نومك”؛ عمل صادق أعادنا إلى زمن الطرب الجميل وأيقظ في القلوب مشاعر حسبنا أنها رحلت.
الأغنية التي كتبتها و”لحنتها” الشاعرة اليمنية جمانة جمال، ووزعها حسام صعبي، جاءت لوحة وجدانية متكاملة، بصوت فضل الذي ظلّ يحمل دفء الصدق رغم قسوة العمر وتجاعيد السنين. هي لم تكن مجرد أغنية، بل عودة، وذكريات، وجسر بين جيل الثمانينات والأجيال الجديدة.
وبينما انتقدها البعض باعتبارها مكررة أو تجارية، أثبت الواقع عكس ذلك؛ فالفنان الذي عاش عزلة وسقط من القمة، عاد ليبرهن أن الفن الحقيقي لا تقيده الجدران، ولا يشيخ مع أصحابه.
“صحاك الشوق” لم توقظ فقط العاشقين، بل أيقظت مراهقتنا العاطفية النقية، وأعادت إلينا أن الحب لا يُقاس بالعمر، بل بالصدق.
أعترف لنفسي قبل أي أحد: أنا غارق في حب أطلقت له اسمًا في قلبي، وألبسته أوصافًا لا يعرفها سواي. كلمة مازحة منها تكفي لتوقظني من غفوتي، وكأنني أردد في داخلي: خايفة أحبك. هي لم تعلم أنني أعشقها بصمت، لكن أغنية فضل شاكر أعلنت عن مشاعري قبلي، وجعلت قلبي يهتف باسمها. وهكذا أبقيت حبي سرًا، أعيشه بين الواقع والخيال، حيث يصبح الشوق نفسي والحب نبضي،وخِتامًا، شكرًا لفضل شاكر على هذا الأداء المرهف، وشكرًا لحسام صعبي على هذا التوزيع الرائع، وشكرًا لجمانة جمال على هذه الكلمات المعبرة واللحن الجميل الذي يذكرني بلحن أغنية سميرة توفيق “ياهلا بالضيف ضيف الله والتي أعاد تلحينها من التراث فريد الناظوري.”
قبل أكثر من نصف قرن وسلامة فهمكم”.