ما زال فضاؤنا العام يعاني من حملات شرسة لجيوش إلكترونية (ذباب) ييسر لها عملها من خلال أذرع إعلامية أصبحت معروفة لا خلاف عليها، حيث لا تنفك عن مهاجمة الدولة الأردنية والطعن في تاريخها وشرعيتها وثوابتها من نظام سياسي وجيش، بل وتخوين مستمر لمختلف الفئات الاجتماعية، وهذه الحملات للأسف تجد صدى مسموع في الأوساط الشعبية العربية، ولا يخفى على أحد أهدافها التي تصب في خدمة المشروع الصهيوني في المنطقة بمحاولة تقويض نظام الحكم في الأردن.
في هذا المقال وكما بين عنوانه سأبحث في الدور الذي قام به معدل قانون الجرائم الإلكترونية (2023) مهيئا بيئة تسهل نجاح الحملات الإعلامية المكثفة هذه، ولشديد الأسف لم يصغي المشرع الأردني لمطالباتنا المستمرة أثناء مراحل التشريع بتجويده بتخفيف نصوص المواد التي تهدف بشكل صريح للتضييق على الحريات العامة، فالقانون زاخر بالمواد المتكفلة بهذا، ولكن.. ماذا بعدها؟
في كل مناورات مناقشة القانون قدمنا -معارضوه- عدة تصورات، ومن دفوعنا كان التحذير من أن إغلاق باب التعبير عن الرأي للمعارضة الداخلية -الملاحقة قانونيا- سيفتح باب المعارضة الخارجية، ولم تكن حالة الحملات الإلكترونية العملاقة هذه شاخصة وقتها.. وللأسف صحت نبوءتنا.
ضرورة المعارضة الداخلية!
الناس بشكل عام، الأفراد والجماعات، دائما ما يتموضعون يسارا ويمينا من أي حدث سياسي، فالمواقف هذه تخضع لمبادئ ومصالح كل فرد وجماعة، فمثلا قد أعارض رفع أسعار الكهرباء ثم أؤيد تشديد مخالفات السير، وهلم جرا.. العبرة من الموضوع أن المجتمع مطلق الموالاة مجتمع وهمي، وإن وجد -على صعيد الفرض الساقط- فحالته لن تتعدى كونها صورة عامة من النفاق الجماعي الذي سيتكشف عند الأزمات الحقيقية، ولقد رأينا لهذا نماذج في دولنا العربية.
انطلاقا مما سبق، علينا الإقرار أن للناس بطبيعتهم نزعة نحو المعارضة والاختلاف، وهذا لا عيب فيه ولا غرابة، أما في حالتنا المحلية فتم تجريم هذا الاختلاف بنصوص قانونية فضفاضة، مثل اغتيال الشخصية وذم الهيئة الرسمية ومس الوحدة الوطنية، وغيرها، وهذا التجريم أدى إلى حالة تراجع كبيرة في أصوات المعارضة الوطنية الداخلية، أي أن الجمهور الواسع أمسى بشكل أو بآخر دون حالة تمثيل داخلي لصوته، ولم يجد متنفسا للتعبير عنه.
الارتداد نحو الخارج.. مقتل!
للأسف الشديد، حالة الاحتقان هذه وجدت مكانا للانفجار، أما هذا المكان فكان الساحة الواسعة للفضاء الإلكتروني المليء بأصوات مسمومة، وجيوش مدفوعة، وتنافس للأجهزة الاستخبارية وأذرع الدول والمنظمات غير الخاضعة لرقابة القانون الأردني بطبيعة الحال، حتى صار المواطن بين خيارين لا ثالث لهما:
أصوات الموالاة الداخلية المطلقة وما له معها من حساسيات وسوابق وطعون فيها، وسيول الاتهامات الجارفة والطعون المجحفة بحق دولته ونظامه السياسي من أذرع خارجية، ولا فرصة للعقلانية إلا ما رحم ربي من أصواتنا التي نحاول بها رغم كل التضييق.
نداء أخير.. أنقذوا الأردن!
ليكن ختامي على شكل رجاء حار، موجه إلى الحكومة الأردنية ابتداء بضرورة وقف محاولات الخنق وحصار حرية التعبير سواء بقانون الجرائم الإلكترونية وقانون منع الجرائم، وثانيا إلى المشرع الأردني بضرورة إعادة النظر في القانونين السابقات، وأذكركم بما أدعي مرة أخرى: المعارضة العقلانية الصادقة خير مرات ومرات من الموالاة الدائمة المنافقة، ووجود المعارضة ضرورة لا بد منها، وللدولة الأردنية نماذج نوعية من حيث التقبل بل وتصعيد قوى المعارضة عند وجود محكات.
والختام بوصف إيفلين بياتريك لفكر فولتير: “قد أختلف معك في الرأي، لكني مستعد أن أدافع حتى الموت عن حقك في أن تعارضني”.