الزِّيارة المَلكيَّة لِموسْكو.. حَصِيلة زَخمَة يلينا نيدوغينا

بالرغم من أن زيارة جلالة المَلك عبد الله الثاني المُعظم إلى العاصمة الروسية كانت خاطفة وسريعة، إِلاَّ أنّهَا حقّقت العديد من النتائج التي تَصبُّ في صالح البلدين الصديقين والإقليم الأوسطي، سواءً أكانت القضايا التي تم تناولها والبحث فيها سياسية، أم اقتصادية، أم أمنية، أو في غيرها من المَناحي.
في العَادَةِ، تُعتبر الزيارات القصيرة زمنيًا والسريعة التي يُنفِّذها زعيم دولة إلى زعيم دولة أُخْرى، أكثر أهمية من تلك الزيارات التي تدومُ أيامًا طِوال، ذلك أن الزيارة المَحدودة في وقتها تتطلّب تركيز الجهات المَعنية على أهم نقاط البحث، وعلى القضايا الثنائية الجوهرية والمفصلية، التي تَستدعي موافقة الزعيمين عليها أولًا، فتخرج بالتالي بنتائج جد إيجابيّة ومُوَلِّدة لابتسامات من الطرفين، تَعني نجاحهما في إِحْراز وإتمام إنجازات ثنائية طيّبة، فيَحصِدون في مآلاتها حصادًا وفيرًا هو الأنفع، ويَجمَعون حَصِيلة زُخمة لم يَسبق لها مثيلٌ منذ عهد قد يكون شاسعًا.
اللافت في زيارة جلالة الملك إلى العاصمة الروسية الجميلة، أنها جَمَعَت في اللقاءات الثنائية أهم الشخصيات الحكومية في البلدين، وبخاصةٍ الأمنيّة والعسكريّة، وهذا يَعني بوضوح للمُدقق، أن هؤلاء مَعنيون مباشرة ببحثها بحِرفيةّ وتركيز شديدين، ليَصل الجميع سريعًا إلى النتائج المَرجوّة لصالح الدولتين والشعبين وأهدافهما، ما يؤكد توافر تفاهم مشترك “واسع النطاق”.
قراءة في تصريحات جلالة المَلك، نُلاحظ اهتمامه الكبير والواضح بالعلاقات النافعة والثابِتة والمُستقرَّة مع روسيا بوتين، فقد أشار بذكاء نعهدهُ في جلالته، إلى أن “العلاقات الثنائية التي تَجمع البلدين في تحسّن مُستمر”، ويتضح بالتالي أن آصِرَة هذه العُرْوَة الوثقى الثنائية الأردنية الروسية سوف تتقدم بإضطراد إلى الأمام بخطىً أوسع بعد الانتهاء من جائحة كورونا، إذ كشف جلالته عن تطوّر ستشهده روابط البلدين، وذلك لِ”وجود فرصٍ كثيرة في مرحلة ما بعد جائحة كورونا في مجال الزراعة، والقطاع الطبي وإنتاج اللقاحات في المستقبل القريب”.
في المجال السياسي، نلمس إهتمام المَملكة بالدور الروسي في المنطقة لجهة تأكيد استقرارها. فالقوات الروسية، وكما يَعلم الْقَاصِي وَالدَّانِي، قد أسست لوجود عسكري وأمني وسياسي وثقافي طويل الأمد وكبير وثابت في سورية التي تحد الأُردن من الشمال. ولهذا يُعوِّل جلالته كما نلمس، على قيام روسيا “بالدور الأكثر دعماً للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات في سورية”. ولهذا أيضًا، ثمّن جَلالة المَلك الدور الروسي، وعلى وجه التحديد دور فخامة الرئيس فلاديمير بوتين في “منطقة الشرق الأوسط”، كعنصر استقرار في خضم التحديات التي تواجهها. ومن هنا بالذات، يمكن لروسيا بوتين أن تلعب دورًا أكبر وأكثر إتِّساعًا مِمَّا هو عليه الآن، في سبيل تثبيت أركان السلام وقواعده في المنطقة وأمنها، إذ أشاد جلالة الملك بدور روسيا في عملية السلام قائلاً: “لكم دور تاريخي في عملية السلام في الشرق الأوسط”، وبالتالي اهتمام الأردن “بإمكانية إعادة إطلاق الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتحسين ظروف حياة الشعب الفلسطيني”.
أما فيما يتعلق بأحداث أفغانستان، فما حَدَثَ هناك يُثير قلق الجميع في هذا الكَون المُترامي الأطراف، لا سِيَّما في تلك الدول الآسيوية التي قد تتضرّر في المستقبل القريب كأحتمال لا سمح الله، من الوضع القائم حاليًا في أفغانستان، الدولة ذات المَكانة الإستراتيجية بامتياز، ولكونها غنية بثرواتها الطبيعية، ولأنها تحد دولًا عديدة قد تتأثر سلبًا من الأحداث التي جرَت وتلك التي ستجري على أراضيها لاحقًا. لهذا، يُعتبر التنسيق الأُردني الروسي المتواصل في هذا الشأن ضرورة سياسية لا بد من تعَاقُبها على صعيد الخبراء والشخصيات ذات الصِّلة بقيادة جلالة الملك والرئيس بوتين.
*كاتبة وإعلامية روسيّة أُردنية مُتخصِصة بالتاريخ والسياحة، ومؤسِسَة جريدة “المُلحَق الرّوسي”.
…؛؛؛