تغلي الشوارع المغربية الآن بجموع غفيرة من المتظاهرين الساخطين بسقوف بدأت بالارتفاع، فيما تمت تسمية هذه الموجة من التظاهر بمظاهرات الجيل Z والتي تردد صداها وتكاثف بعد نجاح أبناء الجيل نفسه في نيبال، في هذا المقال سآخذكم في جولة شمولية على القضية من مختلف جوانبها.
جيل Z، نظرة إلى الاصطلاح:
تعد تسمية الجيل Z تسمية شائعة من علماء الاجتماع والصحفيين الغربيين بناء على مجتمعاتهم دون اعتمادات رسمية لها، وهي امتداد لتسميات مختلفة لحقب زمنية تؤخذ جملة مع حدود متغيرة حسب مطلقي التسميات، حيث أطلق على مواليد (1965 – 1980) جيل X وذلك لأنه تميز بالغموض وصعوبة التنبؤ بسلوكه نظرا لكونه جاء بعد الانفجار السكاني الكبير، ومن ثم قفزوا لتسمية جيل (1981 – 1996) بجيل Y لمجرد التسلسل الأبجدي، والاصطلاح الأكثر شيوعا عنهم كان (جيل الألفية) نظرا لانفتاحهم على الإنترنت خلال حياتهم، أما عن الجيل Z فيشار به إلى مواليد (1997 – 2012) وذلك لأنهم وولدوا ونشأوا في بيئة الإنترنت الكامل والانفتاح التام على مواقع التواصل الاجتماعي وتفضيل السرعة والتفاعل الفوري، ومن ثم انتقلوا إلى الحروف اليونانية ليطلقوا اسم الجيل ألفا α على مواليد (2010 – 2024) لأنهم ولدوا في عالم يعتمد كليا على الذكاء الاصطناعي والأجهزة الذكية والتعليم الرقمي، كما أطلقوا الجيل بيتا β على مواليد (2025 وما بعد)، للنبوءة بكونهم سيكونون على تكامل تام مع الآلة وتداخلها في حياتهم.
أسباب التحرك، لهم من اسمهم نصيب!
ومن أصل الاصطلاح كان التحرك الأول، حيث تحرك الشباب النيبالي بمظاهرات عارمة أسقطت الحكومة هناك، والسبب كان (تريند) في مواقع التواصل الاجتماعي عرض فيه أبناء المسؤولين والأثرياء حياتهم ليشاهدها غالبية الجيل القابع في براثن الفقر هناك، مما حرك دعوات مضادة حاولت الحكومة قمعها بحظر مواقع التواصل الاجتماعي ليكون رد الشبان هناك بالعصيان والتمرد حتى إسقاط الحكومة.
تحرك الدعوات، واقع لا مفر منه.
لم تجد دعوات التظاهر حدًا يوقفها في عصر الانفتاح التام والعولمة المطلقة، لتنتقل الدعوات إلى مدغشقر مسقطة حكومتها، وإلى البارغواي والمغرب، في صورة تبدو أنها ستتعاظم وتتوسع بسبب سهولة الوصول، فالحكومات التي كانت تخشى وكالات الإعلام الدولية أو محركي الرأي العام داخليا أصبحت الآن في صدام مع سيل جارف من المحتوى المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الوسائل التي يقضي أبناء الجيل جل أوقات فراغهم عليها.
فرص النجاة، وآفاق نجاح التحركات.
لا أستطيع الاستبشار بنتائج إيجابية لهذه المظاهرات، فالتحرك القُطري لها مؤشر سلبي بسبب عدم وجود إطار نظري جامع لها، فالمظاهرات لا تعدو عن كونها موجات احتجاج غاضب وساخط من الوضع المعيشي، ولكنها لم تمر بالمخاضات المحلية، كما أن المؤثرين فيها هم الأكثر قدرة على التأثير في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء المؤثرين المحليين أو حتى سياسات الوسائل التي يبدو أنها ستتحول إلى لاعب رئيسي يسقط حكومات ويصعد بأخرى باستخدام الخوارزميات الخاصة بها، وهذا ما سيعطي الولايات المتحدة الأمريكية قدرة أعلى على التحكم في مصائر الدول بالذات مع تحركات ترامب المستمرة للاجتماع بكبار ملاك هذه المنصات، وإصرار الحكومة الأمريكية على الاستحواذ على تيكتوك في البلاد.
نعم ستكون وسائل التواصل الاجتماعي السلاح فوق النووي بالنسبة لمختلف دول العالم، فهي بشكل أو بآخر محكومة برغبة ملاكها، والشعوب تتأثر بها شيئا فشيئا، فنحن نستطيع ملاحظة تكرار الجموع لكلمة معينة أو إعداد طبق طعام ما لمواكبة التريند، لكننا لا نرصد التغيرات الفكرية وقرارات الناس العملية بسبب الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي، مع أن الأمر لا شك موجود وسبب تغيرات سلوكية بل وأيدولوجية كبرى السنوات الأخيرة، أبرزها تغير النمط الاستهلاكي والأنساق الاجتماعية والهوس بالشهرة والثروة والانفكاك عن المبادئ وغيرها، عداك عن تعزيز الذكاء الاصطناعي لحالة انسلاخ الإنسان عن جوهره، وهذا ما يحتاج إفرادا في مقال آخر.
على العموم نعم، تبدو ظاهرة التحركات الثورية مثيرة للحماسة والمشاعر التحررية، ولكن هذا النوع الجديد من الثورات مرهون بعوامل لا ترتبط عضويا بمجتمعاتها، فحتى لو عززت بالفقر والبطالة فالقرار فيها خارجي، مرتبط برغبات ملاك مواقع التواصل الاجتماعي، ويفقد الإطار النظري الواضح، سريع وعشوائي.
في الختام، الأمل كل الأمل أن تمر هذه العاصفة الجديدة بكل سلام على الجميع، وأن تكون نتائجها في مصلحة الإنسانية والحضارة، وألا تنقلب على أصحابها وبالا.