في عصرنا الحديث، أصبح العالم قرية صغيرة، فما يحدث في الشرق يصل إلى الغرب في اللحظة نفسها، والعكس صحيح. لم تعد الأخبار حِكراً على أحد كما كان في الماضي، قبل ثورة الإنترنت وظهور التطبيقات الحديثة، وعلى رأسها “التيك توك”.
في السابق، كانت الدول تتحكم في وسائل الإعلام وتقرر ما يُبث عبر قنواتها وفقاً لمصالحها وتوجهاتها، أما اليوم فقد أصبح الفضاء مفتوحاً للجميع، باستثناء بعض الدول الدكتاتورية التي ما زالت تفرض قيوداً مشددة على مواطنيها. ومع اتساع هامش الحريات، بات كل فرد قادراً على متابعة ما يشاء من قنوات وأخبار ومصادر مختلفة في لحظة نشرها.
وكالعادة، لكل ظاهرة وجهان: إيجابي وسلبي. فمن جهة، نجد دولاً تدّعي الديمقراطية سارعت إلى السيطرة على تطبيق “التيك توك” بهدف توجيه ما يُعرض لشبابها بعد أن أدركت تأثيره القوي في نشر الوعي والثقافة، بينما أعلنت دول أخرى صراحةً أن أساليب الحرب الحديثة تغيّرت، وأن الإعلام الرقمي أصبح جزءاً من سلاحها الجديد، فاستثمرت أموالاً طائلة في تلميع صورتها إعلامياً بعد أن انكشفت تزويراتها القديمة.
لكن الجانب المضيء في هذه الثورة الإعلامية هو انتشار الوعي، ووصول الحقيقة إلى الجميع دون وساطة. ومن بين ما كشفه هذا الانفتاح، فضح الصين لزيف الماركات الغربية، بعد أن فرضت أمريكا رسوماً جمركية مرتفعة على المنتجات الصينية. حينها كشف التجار الصينيون أن معظم الماركات العالمية الفاخرة تُصنّع في مصانعهم نفسها، ثم تُلصق عليها العلامة التجارية الغربية وتُباع بأضعاف سعرها الحقيقي! بينما يبيع الصينيون نفس المنتج بسعر زهيد، ويشتريه المستهلك الغربي أو العربي بسعر خيالي معتقداً أنه اقتنى قطعة فريدة من صناعة راقية.
ورغم انكشاف هذه الحقيقة، ما زال كثيرون يصرّون على شراء الماركات العالمية والتفاخر بها. شاهدت لقاءً مع فنانة عربية مشهورة، أقرت بأنها تعرف ما يُقال عن تلك الماركات لكنها قالت بتكبّر: “يكفيني أنني أشتريها بهذه الأسعار التي لا يستطيع غيري دفعها”.
نظرت إلى ماضيها، فوجدت أنها عاشت طفولة بائسة، وخاضت أعمالاً شاقة قبل أن تصل إلى عالم الشهرة والثراء. لكنها، للأسف، لم تحتفظ بالتواضع ولا بالخلق الأصيل الذي يُكسب صاحبه احترام الناس ومحبتهم.
تذكرت حينها مقولة الأديب جبران خليل جبران:
“لا تجعل ثيابك أغلى شيء فيك، حتى لا تجد نفسك يوماً أرخص مما ترتدي.”
لقد صدق جبران، فالغُرور يُسقط صاحبه مهما بلغ من شهرة، في حين أن التواضع يرفع الإنسان ويُخلّده في ذاكرة الناس. والفنان الحقيقي هو من يُسخّر فنه وثروته لخدمة وطنه وإنسانيته، لأن المواقف النبيلة هي التي تخلّده، لا ما يرتديه أو يقتنيه