من هو الدخيل حقاً كتبت سمية الحاج عيد

 

كتب أحدهم من نقابة الصحفيين منشورًا يتهم فيه ناشري المواقع الإخبارية بأنهم “دخلاء” على النقابة أو ربما على المهنة ، بعد أن عقد ناشرو المواقع اجتماعا في احدى قاعات النقابة لمناقشة أمر عالق بين الطرفين

ولأن الكلمة لا تمرّ مرور الكرام حين تُقال في حق من أخلصوا في خدمة الإعلام والوطن، كان لا بدّ من الوقوف عندها.

نن هو الدخيل هنا ؟

هل هو من أسس منبرًا إخباريًا بجهده، وتقيد بالقوانين النافذة وخلق فرصا للعمل ، وعيّن رئيسا للتحرير عضوا بنقابة الصحفيين إضافة لتعيين أعضاء في النقابة ، وساهم في نقل الحقيقة للناس، ووفّر مساحة حرة للرأي والتعبير؟

أم من ضاق صدره بتنوع الصوت الإعلامي وخشي من اتساعه؟

النقابة التي تطالب ناشري المواقع الإلكترونية اليوم، وبأثرٍ رجعي، بمبالغ طائلة تحت عنوان تنظيم المهنة وحماية الإعلام تجد نفسها أمام تناقض صارخ، إذ لا يمكنها من جهة أن تعتبرنا دخلاء، ومن جهة أخرى أن تتعامل معنا كمصدر دخل مالي تسعى لتحصيله.

فكيف يُمكن أن تكون نقابة الصحفيين خصمًا حيناً وجابياً حيناً آخر؟

أليس من الأجدر أن يكون الحوار مع المؤسسات الإعلامية الإلكترونية حواراً شراكياً لا استعلائياً؟

وأليس من المنطق أن تُصاغ التشريعات بما يحفظ كرامة الصحفيين جميعا، بدل أن تُساق لتقسيمهم بين أصليين ودخلاء؟

يعلم العقلاء جيداً أن الإعلام الإلكتروني اليوم ليس طارئاً على المشهد، بل هو ركيزة أساسية في نقل الحدث وصناعة الرأي العام، ونافذةً يطل منها الأردني على وطنه والعالم.

فهو مكمل لا منافس، ورافد أساسي للإعلام التقليدي الذي نحترمه ونجلّه.

لكن يبدو أن البعض لا يزال يعيش في وهم التصنيف واحتكار الحقيقة، فيُصرّ على ترديد مصطلحات لم تعد تليق بعصرنا ولا بثقافتنا الوطنية.

إن الدخيل الحقيقي ليس من يملك موقعا إلكترونياً أو من يكتب خبرا على شاشة، بل هو من يجهل روح المهنة ومعناها، ومن يستخف بعقل الناس ويُقصي الآخرين تحت عناوين واهية.

الدخيل هو من فقد صلته بالواقع، ومن لا يرى في الإعلام إلا وسيلة لمكاسب ضيقة، لا رسالة ومسؤولية وطنية.

لقد علّمنا سيد البلاد أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن الوطن يتسع لكل أبنائه، من مختلف المشارب والتوجهات.

فكيف نضيق نحن — ونحن أبناء المهنة الواحدة — ببعضنا؟

أليس من الأجدر أن نوجّه طاقاتنا لما ينفع الإعلام الأردني فعلاً عبر تطوير أدواتنا، وصون أخلاقياتنا ومواجهة تحديات العصر بعقلية منفتحة لا بعُقد إقصائية؟

إن دفاعنا عن حقوقنا كمالكين للمواقع الإخبارية لا يعني تحدي النقابة، بل هو دفاع عن مبدأ العدالة المهنية، وعن حق كل صحفي واعلامي في أن يُعامل بكرامة لا بتصنيف مجحف.

وبالإشارة إلى التناقض في سلوك النقابة التي تطالب المواقع الإلكترونية بدفع الرسوم والالتزام المالي تجاهها، لكن في الوقت نفسه يستهجن أعضاء فيها أويستنكر أن يجتمع ناشرو هذه المواقع داخل مبنى النقابة نفسها

وهنا يُطرح تساؤل منطقي:

إذا كانت النقابة تعتبر هذه المؤسسات تحت مظلتها المالية، فلماذا لا تُعاملها بالمستوى نفسه من الاحترام والتمثيل؟

وما هي العوائد أو الفوائد الحقيقية التي يحصل عليها الناشرون مقابل تلك الرسوم المفروضة؟

هل هناك دعم تدريبي؟ حماية قانونية؟ وعدٌ بالانتماء للنقابة مثلاً _ كي لا نُعاير بالدخلاء على الأقل_ أم أن العلاقة أصبحت مجرد جباية مالية بلا مقابل مهني؟

لا غرابة أن يضيق بعض من لم يدرك بعد أن الإعلام تغيّر، وأن الصوت لم يعد يُقاس بورقٍ وحبرٍ، بل بعقولٍ تُحاور وأفكار تطير عبر الفضاء الالكتروني

بل ان ما كتبه صاحبنا لا يشي إلا بخوفٍ من اتساع الفضاء الذي لم يعد يحتمل عقلاً محدود الأفق ظناً منه أن إطلاق الأحكام يمنحه مكانة، بينما الكلمة الرصينة والموقف الشجاع وحدهما من تصنعان الهيبة، لا النبرة العالية ولا الوعيد.”