أرباط الأُردن وروسيا في الذكرى 58 لعلاقاتهما ..يلينا نيدوغينا

احتُفل في المَملَكة الأردنية الهاشمية، مؤخرًا، بالذكرى الـ58 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الأُردن والاتحاد السوفييتي السابق، هذه العلاقات التي ورثتها منه روسيا الحالية.
الصِّلات الثنائية القوية بين عمّان وموسكو، كانت منذ لحظة تأسيسها الدبلوماسي والسياسي، في21 أب / أُغسطس، سنة 1963، وما تزال، مُتميزة، وتتسم بالتعاون والتنسيق الأرفع في شتّى الشؤون ذات الصِّلة بتخليق النجاحات، التي تُمَكِّن للبلدين نيل روافع الأمل المُستمر للاندفاع المتواصل من خلالها نحو الأعمال الوازنة التي تُبقيِ البَصمات الحافلة بكل جديد، وقد أكدت التجربة أن روسيا والأُردن يجتمعان على قواسم مشتركة كثيرة موحِّدة لهما، لا انفصام فيها أبدًا، أولها احترام السيادة الدولتية، ووِحدة الأرض الوطنية لكل منهما، ومباشرتهما في كل الحقب التاريخية بولوج كل أوجه التعاون المُسْتَطاعة بينهما، وكذلك العمل الجاد والمُثمر من خلال مساقات متشعّبة وغاية في التنوّع، إذ تشمل هذه كل ألوان قوس قزح، ما من شأنه تَمكّنهما من تحقيق ما يصبوان إليه من مكاسب من جهة، ومن جهة أُخرى تلقِّي الجديد الجاذب والمُفيد لشعبيهما، للتأكيد على أهمية ونفع هذه الروابط التي تعود تاريخيًا إلى طريق الحرير العربي – الروسي، الذي يَشتهر في رياح العَالمَين الروسي والعربي باسم (أرْبَاطْ) بمعنى الرَّبْط بين أُمتينا، وهو اسم وصِفةٌ أطلق بجدارة وبُعدِ بصيرةٍ عربية وروسية مجتمعة، ليرتبط الناطقون بالروسية والعربية على مر التاريخ، وعَبر مختلف مراحل علاقاتهم، بكل جديد، مزنّرين بعُروةٍ وثقَى لا فكاك منها، ولا ابتعاد عن أطايبها.
في الموقع الشبكي لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين للمملكة الأُردنية الهاشمية، يُشار إلى أن علاقات البلدين قد “أُقيمت على أسسٍ متينة من الصداقة والتعاون والاحترام المتبادل”، و”توطّدت هذه العلاقات في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال والقادة الروس خلال العقود الماضية، وتعزّزت في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على جميع المستويات؛ السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والثقافية، وأصبحت اللقاءات بين جلالة الملك والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتم بشكل دوري، مِمَّا أكسبها زَخَماً وقوّة ومصداقية، أسهمت في تطوير التعاون وتنسيق الجهود للتوصل إلى حلول سياسية للنزاعات في (المنطقة) تقوم على مبادئ السلام والأمن والتنمية”، إذ يؤكد الأردن أنّ العلاقة مع روسيا الاتحادية هي علاقةٌ تاريخية قائمة على الشراكة الإستراتيجية وأهمية الدور الذي تقوم به روسيا في إرساء دعائم السلام والاستقرار في (المنطقة)، والمساهمة في إيجاد الحلول السلمية لمشاكلها. كما يُرحّب الأردن على الدوام بدور روسيا الإيجابي والفاعل في قضايا (المنطقة)، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فقد أكدت روسيا أنّ حلّ القضية الفلسطينية يجب أن يقوم على أسس الشرعية الدولية ومبادئها. وفي السنوات الأخيرة انخرطت موسكو في قضايا (الشرق الأوسط) بصورة متزايدة، ومن ذلك الوجود الروسي في الأزمة السورية، وإسهامها في محاربة عصابة داعش الإرهابية ومن لفَّ لفَّهَا، والتوصل إلى اتفاقيات مناطق خفض التوتر؛ الأمر الذي أفضى إلى الحد من العنف في العديد من المناطق السورية.
خلال زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى موسكو، في النصف الثالث من آب أغسطس الحالي 2021؛ والتي تزامنت بصورة دقيقة وتطابقت للغاية مع الذكرى الـ58 لبدء العلاقات الرسمية بين البلدين الصديقين؛ تأكد مُجدّدًا رغبة الزعيمين فلاديمير بوتين وجلالة الملك عبدالله الثاني، بمواصلة دفع روابط العاصمتين إلى ذرى أوسع وسِمات أعمق، برغم أن الدولتين ترتبطان بالكثير من الاتفاقيات المُفضَّلة لهما ومنها السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتي كان لها الدور البارز في بناء شراكة حقيقية وإستراتيجية في الفضاءات المتعددة، إذ تنشط لجنة أردنية روسية مشتركة تجتمع بشكل دوري لمتابعة التعاون المشترك، خاصةً في مجالات الزراعة والسياحة والنقل والطاقة، وتبرز في الصفحات الناصعة لتاريخ العلاقات بين العاصمتين، المُبادرة التي تقدّم بها جلالة الملك عبدالله الثاني لروسيا، بإهدائها قطعة أرض في حوض (منطقة المَغطس)، الذي شهد عُمّاد السيد المسيح له المَجد، إذ شُيّدت عليها كنيسة روسية غاية في الروعة تتبع (بطريركية موسكو وسائر الروسيا)، ما ساهم في زيادة أعداد الحجيج المسيحي صوب هذا الموقع الديني التاريخي الذي لا مثيل ولا شبيه له على كل سطح الكرة الأرضية.
ستبقى العلاقات الأردنية الروسية قوية وراسخة لإيمان قادة البلدين بأهمية هذه العلاقات وإستراتيجيتها، بوصفها ضامنة لترسيخ قواعد الأمن والتنمية والاستقرار في (المنطقة)، فرِبَاط المحبَّة بين الشعبين والدولتين لا يُفك رِبَاطه أبدًا.
كاتبة وإعلامية روسية / أردنية، ومؤسِسة ورئيسة تحرير مُلحق الرؤية الروسية المنشور باللغة الروسية في الأردن، ومتخصِصة أكاديميًا ومهنيًا بالتاريخ والسياحة.