في خطوة لافتة، أطلقت وزارة الداخلية مبادرة جديدة تحت عنوان “تنظيم الظواهر الاجتماعية”، تهدف إلى الحد من المبالغة في المناسبات الاجتماعية، سواء في الأعراس أو بيوت العزاء أو المهور.
ووجّه الوزير كتابًا إلى الحكام الإداريين لعرض المبادرة على المجالس التنفيذية والأمنية ومجالس المحافظات والمؤسسات المدنية، تمهيدًا لتوقيعها من الوجهاء والأعيان والمؤثرين والمواطنين في مختلف المناطق.
تهدف المبادرة إلى معالجة مظاهر المغالاة والمفاخرة في الأفراح والأتراح، وما يرافقها من أعباء مالية واجتماعية باتت تثقل كاهل العائلات الأردنية، كما تدعو إلى إقامة بيوت العزاء ليوم واحد فقط، وتقليل عدد المدعوين في الأعراس إلى نحو (200) شخص، والحد من مواكب السيارات، وتحديد الجاهات بعدد لا يتجاوز (30) شخصًا، إضافة إلى دعوة الأسر إلى التخفيف من المهور وعدم المغالاة فيها.
لا يختلف اثنان على أن ظواهر الإسراف والمباهاة أصبحت عبئًا حقيقيًا، وأن كثيرًا من الشباب يعزفون عن الزواج لأسباب مالية، لكن أن تتحول هذه الدعوات إلى مبادرة رسمية تصدر من وزارة الداخلية فهنا الإشكال. فبدل أن تكون الوزارة معنية بتفعيل برامج التشغيل ومكافحة المخدرات وضبط الأمن الاجتماعي، باتت تتدخل في تفاصيل الحياة الخاصة للمواطنين، وهنا يفقد الخطاب الرسمي توازنه، إذ تتحول الدولة من “منظّم” إلى “وصيّ اجتماعي”، يتدخل حتى في كيفية الزواج والعزاء وعدد المدعوين.
المشكلة ليست في “كمّ المنسف”… بل في غياب الدخل
المجتمع الأردني بطبعه متماسك، والعادات الاجتماعية جزء من نسيجه. والأفراح والعزيات هي من آخر المساحات التي يلتقي فيها الناس ويتواصلون، بعد أن فرّقتهم مشاغل الحياة وضيق الوقت. فبدل التضييق على هذه المناسبات، كان الأولى أن تُستثمر لبناء روح التكافل والتواصل، وأن تُعزّز القيم الأصيلة في البساطة والاحترام دون فرضها إداريًا.
أما ما جاء حول عدم إشراك أصحاب المناصب السياسية في الجاهات، فهو توجه غريب ومؤسف، فالحياة الاجتماعية لا تُفصل عن الحياة العامة، والمسؤول – سواء أكان عاملًا أو متقاعدًا – يبقى ابن المجتمع ووجها من وجوهه، لا يُعقل عزله عن الناس تحت ذريعة تنظيم الظواهر.
أما الحديث عن المهور والمصاريف، فهو يعالج العرض لا المرض، فالمشكلة الحقيقية تكمن في قلة الوظائف وارتفاع معدلات البطالة، وليس في رقم المهر، ولذلك فإن الحل لا يكون بخفض الأرقام على الورق، بل بفتح فرص العمل وزيادة الأمل في نفوس الشباب.
كان الأجدر بالوزارة أن تطلق مبادرة وطنية تحت عنوان “شغّلني وأنا بتجوز”، فحين يجد الشاب عملًا كريمًا ودخلًا ثابتًا، لن تكون المهور عقبة أمامه.
نوايا المبادرة طيبة، لكن الطريق إليها ليس سليمًا. فالإصلاح الاجتماعي لا يُفرض من أعلى الهرم بكتاب رسمي، بل يُبنى من داخل المجتمع بالتوعية والحوار وتمكين الناس من أسباب العيش الكريم. فما يحتاجه الأردني اليوم ليس من يقول له “قلّل مصروفك”، بل من يوفّر له عملًا يرفع دخله. إن تنظيم العادات لا يكون بتعميم، بل بتمكين الناس أولًا.