في خضم مسؤولياته الكبيرة ومهامه المتعددة، لم يتأخر جلالة الملك عبدالله الثاني لحظة في تهنئة العالم الأردني الدكتور عمر ياغي بفوزه المستحق بجائزة نوبل في الكيمياء، أمس.
ورغم مشاغل جلالته الكثيرة، كانت التهنئة الملكية حاضرة فورًا، في لفتة تعبّر عن الملك الإنسان القريب من أبناء شعبه، الذي يقدّر كل إنجاز وطني مهما كان بعيدًا عن دائرة السياسة.
هذه اللفتة البسيطة في ظاهرها، الكبيرة في معناها، كانت الشرارة التي استوحيت منها فكرة هذا المقال — لأن خلف كل موقف من هذا النوع، يقف نهج كامل من الإنسانية والاحترام المتبادل بين الملك وشعبه.
منذ توليه العرش، اختار جلالته أن يكون قريبًا من الناس لا بالقول فقط، بل بالفعل، في عالم يبتعد فيه كثير من القادة عن شعوبهم.
لم يكن جلالة الملك عبدالله الثاني يومًا ملكًا تقليديًا يراقب من بعيد، بل أبًا وأخًا وأحد أبناء هذا الوطن الكبير الذي يحمل ملامح كل من فيه، فالأردنيون اعتادوا أن يروا جلالته حاضرًا في كل مناسبة وطنية أو إنسانية، إمّا بشخصه أو من خلال مندوبيه، وعلى رأسهم رئيس الديوان الملكي الهاشمي معالي يوسف العيسوي، الذي يمثّل جلالته في جميع بيوت العزاء في مختلف المحافظات، ومن شتى الأصول والمنابت، ليؤكد أن “الأردن بيت واحد”، وأن الحزن لا يخص عائلة أو منطقة، بل يطال الوطن بأكمله.
هذه المشاهد اليومية التي يراها الأردنيون تترجم رسالة الهاشميين المتوارثة: القيادة من بين الناس، لا من فوقهم.
ولم تتوقف إنسانية جلالته عند حدود المشاركة في الأحزان، بل تمتد إلى كل لحظة فرح يعيشها الأردنيون.
ففي زفاف سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، (الذي يسير على خطى جلالة الملك، كشاب أردني قريب من الناس، يعيش معهم تفاصيلهم، ويمثل امتدادًا طبيعيًا لنهج ملكي قوامه القرب لا البعد، والمشاركة لا الانعزال)، لم يكن الاحتفال مقتصرًا على القصور أو النخبة، بل كان فرحًا وطنيًا شاملًا شارك فيه الجميع.
ففي القرى والبوادي والمخيمات والمدن، ارتفعت الأعلام وتعالت الزغاريد، وأقيمت الحفلات الشعبية والمهرجانات بتوجيه مباشر من جلالته، ليكون كل بيت أردني شريكًا في الفرح، تمامًا كما هو شريك في البناء.
كما دأبت العائلة الهاشمية على مشاركة الشعب أفراحها الخاصة. فبمناسبة مولد سمو الأميرة إيمان بنت الحسين بن عبدالله الثاني العام الماضي، وزع الديوان الملكي الهاشمي ذبائح على أكثر من 6 آلاف أسرة في مختلف مناطق المملكة، كما أهدى ولي العهد ليرة ذهبية لمواليد مدينة الحسين الطبية، الذين شاركوا ابنته الأميرة إيمان يوم ميلادها في 3 آب، في رسالة بسيطة لكنها عميقة: فرحنا فرحكم، وبيوتنا مفتوحة لكم دائمًا.
بهذه الروح، تحولت المناسبات الملكية إلى محطات تُشعل المحبة بين الناس وتعيد التذكير بجذور الهاشميين المتصلة بالناس لا بالعرش فقط.
ومن المواقف التي بقيت في ذاكرة الأردنيين، تلك الحادثة الجميلة عندما وجّه جلالته قبل سنوات دعوة لعامل الوطن خالد الشوملي إلى حضور مباراة في قصره، بعد أن انتشر مقطع مصوّر للشوملي وهو يشاهد المباراة من خلف زجاج مقهى.
لم تكن الدعوة مجاملة، بل كانت درسًا في الإنسانية والاحترام؛ فالتقدير في عُرف الملك لا يُقاس بالمناصب أو المظاهر، بل بالضمير الحي والإخلاص في العمل.
وكما يحتفي الملك بالمواقف الإنسانية، فهو أيضًا يكرّم الإنجازات الوطنية بكل فخر، إذ يمنح الأوسمة والتكريمات لمن يستحقها من أبناء الوطن: من معلم أعطى بإخلاص، إلى جندي قدّم، إلى عالم أبدع، إلى رياضي رفع راية الأردن.
ولطالما كانت يد الملك ممدودة لكل مجتهد ومخلص، يراه بعينه لا عبر التقارير أو الألقاب.
إن ما يميز الملك عبدالله الثاني حقًا ليس فقط موقعه السياسي أو قيادته الحكيمة، بل أسلوبه الإنساني في القيادة، ذلك الذي يجعل الأردنيين يشعرون أن الملك واحد منهم.
فهو يسمعهم، ويشاركهم، ويقترب منهم في أدق التفاصيل — في لحظات العزاء كما في أوقات الفرح، في تكريم العلماء كما في رفع معنويات البسطاء.
هو الملك الإنسان الذي يرى في كل أردني قصة تستحق أن تُروى، وكل إنجاز يستحق أن يُحتفى به، وكل حزن يستحق أن يُواسى.
وفي زمن تتباعد فيه المسافات بين الشعوب وقادتها، يبقى الأردن مميزًا بملكه الإنسان، الذي اختار أن يعيش مع شعبه، لا فوقه، وأن يكون رمزًا للبساطة والرحمة قبل أن يكون رمزًا للسلطة والقيادة.
بهذا النهج، يبقى الأردن وطنًا صغيرًا في مساحته، كبيرًا بإنسانيته، لأن فيه قائدًا كلما هنّأ مبدعًا أو عزّى أسرة، أعاد للأردنيين جميعًا شعورهم بأنهم أسرة واحدة، وبيت واحد، وقلب واحد.