جزارون في “كيان” الدم … (( 12 ))

وزير التراث.. تصريحاته تجسد توافق المجتمع الصهيوني على “الخلاص من الفلسطينيين”

عميحاي إلياهو ..وزير “القنبلة النووية” يدعو لمحو غزة واحتلال سيناء وإعدام الأسرى
“عوتسما يهوديت”.. حزب إلياهو وريث لـ “كاخ” وتلاميذ لمؤسسهها الحاخام مائير كاهانا
بابيه: الصهيونية حولت “التطهير العرقي” من فكرة الى خطط تقوم على الابادة الجماعية
 عبد الرحمن أبو حاكمة   
أثارت تغريدات وتصريحات وزير التراث الصهيوني، عميحاي إلياهو الذي يعتبر واحدا من ابرز رموز حزب عوتسما يهوديت “القوة اليهودية”، ويلي في الاهمية مايكل بن آري أول رئيس للحزب وإيتمار بن غفير الرئيس الثاني لـ”عوتسما” جدلًا واسعًا لاسباب عديدة، فهي لا تمثله كارهابي وقاتل ويميني متطرف، بل تعكس بكل وضوح توجهات السياسة الإسرائيلية، فمن تصريحاته التي وصف فيها قطاع غزة بأنه “شر يجب القضاء عليه” وأن حكومته “تدفع باتجاه محو غزة”، الى تغريدته على منصة “إكس” التي تروج لفكرة “احتلال شبه جزيرة سيناء” وتضمّنت دعوةً لشراء قميص مطبوع عليه خريطة مزعومة لـ”إسرائيل” تدعو إلى توسيع السيادة “الإسرائيلية” في سيناء وجنوب لبنان وصولًا إلى الأردن، وما بينها من اقتراح اطلقه في 2023، حول إلقاء قنبلة نووية على غزة التي فتحت الجدل مجدداً حول امتلاك إسرائيل للسلاح النووي بما يتعارض مع سياستها المعروفة منذ عقود “بالغموض النووي”.
إلياهو على خطى جولدا مائير وتأييد مطلق لـ “ابن غفير”
تصريحات عميحاي إلياهو لم تتوقف عند هذا الحد بل وصل به الامر الى مهاجمة الإسلام، قائلا: “يجب محو ‏المصطلح الذي يسمى شهر رمضان ومخاوفنا من هذا ‏الشهر”، مطالبا كذلك بإيجاد طرق أشد إيلامًا للفلسطينيين من الموت ‏لتحطيم معنوياتهم ومنعهم من الوقوف من جديد، وكان إلياهو في آب 2023 قد عبّر عن رغبته بضمّ الضفة الغربية المحتلة بأسرع وقت ممكن، كما دعا إلى إعدام السجناء الفلسطينيين، وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، قال إن “إسرائيل” يجب أن تحتل قطاع غزة بالكامل وتبني المستوطنات هناك، وعندما وجه مكتب نتنياهو الوزراء لاسباب سياسية ودبلوماسية بعدم التعليق على عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران في شهر تموز 2024، خرج الوزير إلياهو بتصريح عن العملية، معتبرا أن “موت هنية يجعل العالم أفضل” وقال: “هذه هي الطريقة الصحيحة لتنظيف العالم.. لا مزيد من اتفاقيات السلام والاستسلام الخيالية ولا مزيد من الرحمة لهؤلاء”، وأضاف “اليد الحديدية التي ستضربهم هي التي ستجلب السلام والقليل من الراحة وتعزز قدرتنا على العيش بسلام مع من يرغب “.
تهديد عميحاي الياهو باستخدام السلاح النووي ضد قطاع غزة، لم يكن الاول لـلاحتلال باستخدام القنبلة الذرية، ففي العام 1973 هددت رئيسة الوزراء غولدا مائير باستخدام اسلحة الدمار الشامل للتصدي لمصر وسوريا في حرب اكتوبر 1973، وفيما ابعد نتانياهو الياهو بعد هذه التصريحات عن اجتماعات الحكومة لامتصاص الإدانة الدولية لم يمتنع رئيس وزراء الكيان وجيشه عن استخدام ما يزيد عن أسلحة الدمار الشامل، فقد أسقط على قطاع غزة نحو 40 ألف طن من المتفجرات- وفق تقديرات غربية- متخطيا بذلك قوة القنابل الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة بالحرب العالمية الثانية على كل من هيروشيما وناغازاكي، ولا بد من الاشارة ايضا الى ان وزير التراث ليس الوحيد في الحكومة الذي اثار الجدل بتصريحاته، فقد سبقه وتبعه وزراء اخرين طالبوا بإعدام الأسرى الفلسطينيين وهو ما أقرته لجنة الأمن القومي في “الكنيست” في 28 ايلول 2025 بالقراءة الأولى تأييدا لمشروع تقدم به بن غفير، ما دفع المراقبين وحتى المحايدين منهم للتأكيد أن ما يحدث ليس مجرد نتيجة لسياسات نتنياهو، بل هو تجسيد لتوافق أوسع داخل المجتمع الصهيوني على هدف “الخلاص من الفلسطينيين”، وهو توجه يتجاوز الأفراد ليشمل مؤسسات “الدولة” وسياسييها والجيش وقطاعات واسعة من المجتمع، وتتجلى هذه الرؤية في توافق سياسي وأمني شامل، حيث تتبنى حكومة الاحتلال سياسات تهدف إلى إفراغ الأرض من سكانها الفلسطينيين، وبذلك تعكس تصريحات عميحاي الياهو وتهديداته تيارًا سائدًا في الخطاب السياسي “الإسرائيلي” حيث لم تعد هذه الآراء استثناءً بل أصبحت جزءًا من السرد العام، وهي ليست ايضا – وفق محللين- مجرد أزمة قيادة أو حسابات سياسية لنتنياهو، بل نتيجة لبنية استعمارية متجذرة داخل “الكيان” ترى في الوجود الفلسطيني والعربي خطرًا ديمغرافيًا وأمنيًا يجب التخلص منه بكل الوسائل وهو ما يتطلب إعادة قراءة جذرية لطبيعة المشروع الصهيوني نفسه.
فتاوى الابادة و”التطهير العرقي في فلسطين”
ويرى محللون ومتابعون ان القراءة الجذرية لطبيعة المشروع الصهيوني تؤكد على ان “التطهير العرقي في فلسطين” من أخطر العناوين التي يذكرنا بها نتنياهو وعميحاي الياهو وسموترتش وبن غفير والصهاينة بمختلف توجهاتهم، معززة بفتاوى يطلقها حاخاماتهم تبيح الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين لتبقى “فلسطين يهودية نظيفة من العرب”، وهو ما كان قد اشار اليه المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه بقوله ان “ارتكاب جرائم تطهير عرقي في فلسطين عام 1948 كان وفقا لخطط مفصلة، وأن “إسرائيل” تواصل ذلك حتى اليوم بطرق مختلفة، موضحا “فكرة التطهير العرقي ولدت مع نشوء الصهيونية، إلا أنها حولتها لخطط عندما بات اليهود يحتلون ثلث البلاد، لافتا إلى أن الخطط ا (1930) وب (1946) وج (1947) تتحدث عن ذلك، لكن الخطة د (1948) تحدد معالم خطة التطهير العرقي بوضوح، مشددا أن حرب 48 استخدمت من قبل الصهيونية وسيلة لتطبيق خطة التطهير العرقي، وحسب بابيه “وضعت الصهيونية خطة مكتوبة للتطهير العرقي في فلسطين قبل النكبة بسنوات تم تطويرها إلى أن تبلورت نهائيا فيما يعرف بـ(الخطة- د)، ولكن وفي سياق مخططها للسطو على فلسطين بغية إقامة الدولة الصهيونية، وكانت الحركة الصهيونية –بتنظيماتها الإرهابية آنذاك تبنت (الخطة -ج) وبعدها عمدت الصهيونية الى تطوير -ج- وقامت بصياغة جديدة للخطة ( د) وهي التي قررت مصير العرب داخل المنطقة وكان زعماء الحركة الصهيونية يتطلعون إلى إقامة دولتهم اليهودية المقبلة عليها.
وكما وثق لاحقا، فمنذ الإعلان عن قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني 1947، تم الإفراج عن الخطة د لوضعها موضع التنفيذ، بعد إقرارها نهائياً من قبل قيادة الهاغانا في 10 آذار 1948، وكانت تقضي، كما اقر احد كبار الجنرالات الصهاينة (يادين) في مقابلة في كانون الأول 1985، بـ “تدمير القرى العربية المجاورة للمستعمرات اليهودية، وطرد سكانها، وكما هو مدون في يوميات “بن غوريون” فقد أصدر أمراً في 19 كانون الأول 1947 يقضي بأن “كل هجوم يجب أن يكون ضربة قاضية تؤدي إلى تدمير البيوت وطرد سكانها”، واستجابة لهذا الأمر وبعد أقل من أسبوعين، دعا الجنرال يغال آلون قائد البالماخ – فلوغوت ماحتس (كتائب السحق)، في الأمر اليومي الذي أصدره الى حرب شاملة تحقق الإبادة الجماعية والتدمير الاقتصادي، إذ “من الصعب (كما ينص الأمر) تمييز الأعداء من غيرهم ومن المستحيل تفادي قتل الأطفال، وكما ورد في مذكرات لمسؤولين وكتاب صهاينة: لم تتوقف مخططات الابادة عند عام النكبة، بل استمرت، وبهذا الشأن كشف قائد شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الإحتلال ‏أهرون يريف، النقاب سنة 1973 إن هناك مخططات لاستغلال أول حرب قادمة وترحيل ما بين ‏‏600 ـ 700 عربي من الجليل والضفة إلى شرق الأردن، وهناك غير رأي لدى ‏المؤرخين اليهود عن أن مجزرة كفر قاسم 1956 إبان حرب السويس “العدوان الثلاثي” استهدفت إرهاب فلسطينيي 48 وحملهم على الرحيل ولكنها فشلت‎.‎
عميحاي الياهو ابن حاخام وجده حاخام وتلميذ للحاخام كاهانا
ويعتبر “التطهير العرقي في فلسطين” العنوان الرئيسي الذي كان من اسباب فوز تحالف “الصهيونية الدينية” في انتخابات “الكنيست” ال25 التي جرت في تشرين ثاني 2022، وهو تحالف تكوّن في حينه من حزبي “الوحدة اليهودية” الذي يتزعمه بتسلئيل سموتريتش، و”القوة اليهودية” -عوتسما يهوديت- ويتزعمه إيتمار بن غفير، وشكلا قائمة واحدة هي “الصهيونية الدينية”، يليهما في الاهمية عميحاي الياهو الذي أدلى بأقوال وتصريحات سلطت الضوء عليه حيث تشير سيرته الذاتية انه من مواليد القدس المحتلة في 24 أبريل/نيسان 1979، وهو ابن الحاخام الأكبر لمدينة صفد شموئيل إلياهو والذي تشرّب منه الكثير من الأفكار الدينية المتطرفة، وحفيد الحاخام الأكبر لليهود السفارديم موردخاي من 1983 إلى 1993 والذ كان في شبابه ناشطا في حركة متطرفة تسمى “بريت هكانيم”، والياهو تلقى تعليمه في المدارس التلمودية، وخدم في وحدة المظليين بجيش الإحتلال، وبعد ان أصبح عضوًا في “الكنيست” عين وزيرًا لشؤون القدس والتراث في 29 ديسمبر2022 .
ومن المعروف ان حزب عوتسما يهوديت أو “القوة اليهودية”، الذي تأسس على أيدي عضوي الكنيست مايكل بن أري وأرييه إلداد المنشقين عن حزب الاتحاد القومي أواخر 2012، ويصف قادته أنفسهم بأنهم تلاميذ لمؤسس منظمة كاخ اليمينية المتطرفة الحاخام مائير كاهانا عام 1971، وهي منظمة وضعتها الولايات المتحدة في قائمة المنظمات الإرهابية، ويحمل الحزب فكرا معاديا للفلسطينيين والعرب، ويدعو إلى ضم الضفة ويسعى لأن يشمل حكم الكيان كامل الأراضي الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، ويطالب الحزب بإلغاء اتفاقية أوسلو 1993، ويعارض تجميد بناء المستوطنات وإنشاء الدولة الفلسطينية كما يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ويطالب بترحيل من يصفهم بـ”المتطرفين العرب”، وينادي بفرض تعليم تاريخ الشعب اليهودي في جميع المدارس الابتدائية، بهدف “تعميق الهوية اليهودية” لدى جميع الطلاب.