مشاجرات طلابية ؛ عصام أ. كركر

سمعنا قبل أيام عن مشاجرة وقعت داخل حرم إحدى أكبر وأعرق الجامعات في المملكة، وهي حادثة مؤسفة بكل المقاييس، وقد أحيل بعض الطلبة المشاركين فيها للقضاء، وربما يُحكم على بعضهم بالسجن أو بالغرامات المالية بسبب إتلاف الممتلكات العامة، مما قد يؤدي الى فصلهم من الجامعة أو حرمانهم من بعض المساقات، وبعض هؤلاء الطلبة، ممن يدرسون على منح دراسية، قد يفقدون فرصهم الأكاديمية نهائيًا.

لن أدافع عن الطلبة أو أبرر مواقفهم، كما لن أتهم جامعتنا العزيزة بالتقصير، فقد قرأت بعض المقالات التي تعزو أسباب هذه الظواهر إلى غياب الأنشطة الطلابية، وقد طالبت بإعادة الأكشاك إلى الحرم الجامعي كي يتمكن الطلبة قضاء أوقاتهم في شرب القهوة والشاي وبناء العلاقات العامة، فيما عزت مقالات أخرى أسباب المشاجرات إلى الفراغ الطلابي، أو ضعف التواصل بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، أو إلى الخلافات ذات الطابع العشائري.

ومن هنا أبدأ مداخلتي حيث أنني أرى أن جوهر المشكلة أعمق من ذلك بكثير، فما نحتاجه اليوم نحن والأجيال القادمة، هو الوطنية الحقيقية، الوطنية التي تُزرع في نفوس شبابنا منذ الصغر، وتُغرس في سلوكهم قبل أن تُكتب في شعاراتهم، نحن بالأردن للأسف كثيرًا ما ننحاز للمناطقيه قبل للوطنية، حيث مازلنا نسمع تعبيرات مثل شمالي و جنوبي و بلقاوي، لتصغر إلى طفيلي كركي سلطي عجلوني اربداوي، مع كامل الاحترام والتقدير لجميع مناطق وطننا الغالي، لكن هذا التصنيف يضعف الانتماء الوطني ويغذي الانقسامات الفرعية التي لا تخدم أحدًا، و ننسى أننا أردنيون أولًا وأخيرًا، يجب علينا أن نربي أبناءنا على أن الوطن عقيدة وانتماء قبل أن يكون بطاقة هوية، وأن الأردن هو المظلة التي تجمعنا جميعًا، وأن هويتنا الوطنية هي الأردن، لا للهويات الفرعية.

علينا أن نُنشئ أبناءنا على هذا الإيمان، بأن الوطن عقيدة ننتمي إليها ونتمسك بها. وهذا ما أكده جلالة الملك عبدالله الثاني في أوراقه النقاشية حين دعا إلى ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة، لأنها الأساس الذي يحمي وحدتنا ويصون أمننا ومستقبلنا.

الوطنية ليست شعارًا نرفعه، بل سلوكًا نمارسه، ووعيًا نغرسه في أجيالنا، لتبقى جامعاتنا منارات علم وفكر، لا ساحات خصام وصراع.