في لحظةٍ كان فيها المشهد السياسي الأردني يضجّ بالتصريحات والتكهنات، اختار حزب الميثاق أن يقف في مساحةٍ مختلفة، مساحةٍ صامتة من الخارج، مزدحمة بالحكمة من الداخل. اختار أن لا يلهث وراء العناوين، وأن لا يرضخ لضغط اللحظة ولا لإغراء الضوء، بل أن يُكمل طريقه بهدوءٍ يُشبه ثقة العارف بما يفعل.
لم يكن الموقف من ترشح عددٍ من النواب لرئاسة مجلس النواب العشرين مجرّد حدثٍ سياسيٍ عابر، بل كان اختبارًا مبكرًا للحزب الذي ما زال يرسّخ حضوره في الساحة الوطنية. تساءل كثيرون: لماذا هذا التردد؟ ولماذا الصمت؟ لكن من يعرف الميثاق يدرك أن ما بدا ترددًا في نظر البعض، لم يكن إلا تريثًا نابعًا من مؤسسيةٍ صارمةٍ تُقدّر التوقيت وتزن الموقف بميزان العقل لا العاطفة.
الميثاق بين النقد والمبدأ
لم يكن الحزب في يومٍ من الأيام في موقع الساعي إلى استرضاء أحد، ولا ممن يركبون الموجة لمجرد الحضور. فالعمل الحزبي، كما يراه الميثاق، ليس منافسة على من يصرّح أكثر، بل على من يبني أعمق.
ولهذا السبب تحديدًا، لم يندفع الحزب للرد على كل رأي أو تحليل، لأن المؤسسة الواثقة من ذاتها تعرف أن الضوضاء لا تهزّ من يقف على أرضٍ صلبة.
بعض المراقبين أرادوا أن يصوّروا هذا الهدوء كعلامة ضعف أو ارتباك، بينما الحقيقة أن الهدوء هو اللغة المفضلة لدى من يتقن إدارة التناقضات. الاختلاف داخل الحزب لم يكن صراعًا، بل حوارًا مسؤولًا جمع بين النخب السياسية المختلفة تحت مظلة هدفٍ واحد: الوطن أولًا.
بين الإعلام والميثاق… من اصطاد من؟
الإعلام بطبيعته يبحث عن الإثارة، عن الخبر الذي يثير الجدل ويجذب الانتباه.
لكنّ الميثاق، بعقله الهادئ، لم يمنح أحدًا مادةً مجانية للجدل. ترك الأقلام تكتب، وترك الرأي العام يفسّر، بينما هو يمارس السياسة بمفهومها الحقيقي: العمل بصمت، واتخاذ القرار في الوقت المناسب.
لقد ظنّ البعض أن الحزب تأخر في حسم موقفه، لكن الواقع أن الميثاق كان يكتب فصلاً جديدًا في السياسة الأردنية، عنوانه: “القرار لا يُصنع تحت الضغط، بل تحت ضوء الحكمة.”
وهنا ربما يمكن القول إن الإعلام وقع – دون قصد – في الفخ الذي نصبه لنفسه، حين اكتشف أن الحزب لم يكن فريسةً للتكهنات، بل مصيدةً ناعمةً لكل من استهان بقدرته على التماسك.
مؤسسية لا تتكئ على الأفراد
الجميل في تجربة الميثاق أنه لا يقدّس الأشخاص، بل يُقدّر الأفكار والمواقف.
منذ تأسيسه، لم يكن الحزب صورةً لزعيمٍ واحد، بل حالة تنظيمية وطنية متكاملة.
القوة فيه ليست في الأسماء، بل في التوازن بين تلك الأسماء. والمجد ليس لمن يتصدر المشهد، بل لمن يضبط إيقاعه من الخلف بعقلٍ باردٍ وبصيرةٍ ثاقبة.
ربما لا نعرف جميع من يقفون خلف إدارة الملفات داخل الحزب، لكن من الواضح أن هناك نخبة واعية تدير المشهد بصبرٍ ونضجٍ سياسيٍ كبير، جعلت من الميثاق حزبًا يُراهن على المدى الطويل، لا على لحظة الفوز أو الخسارة.
بين الوطنية والمصلحة الشخصية
في وقتٍ تتنازع فيه المصالح الفردية المشهد العام، يثبت الميثاق أن الوطنية ليست شعارًا بل ممارسة. فمن داخل الحزب خرجت مواقف عديدة تُظهر كيف يُقدَّم الوطن على الحسابات الخاصة، وكيف يمكن للنخبة أن تختلف دون أن تتناحر. وهذا بالضبط ما تحتاجه الحياة الحزبية في الأردن اليوم: روحٌ مسؤولة لا تغلبها الأنا، وعقلٌ حزبيٌّ لا يخاف من النقد.
خلاصة المشهد
ما فعله حزب الميثاق في هذا الملف ليس مجرد “تريّث” كما وصفه البعض، بل درس في فن إدارة التوقيت والاتزان السياسي. لقد آثر الحزب أن يُثبت حضوره بالفعل لا بالجدل، وأن يُبقي صورته ناصعة بعيدًا عن المساومات والاصطفافات.
اليوم، ونحن نتابع ما تحقق، يبدو واضحًا أن الميثاق لا يُبنى ليكون حزبًا موسميًا، بل ليكون ركيزة دائمة في الحياة السياسية الأردنية. وأن ما حدث لم يكن امتحانًا له، بل فرصة ليبرهن أنه حزبٌ يختار الصمت حين يتكلم الآخرون، ويتكلم حين يصمت الجميع.
وهنا تتجلى الحكمة الحقيقية: أن تملك القدرة على الرد، وتختار ألا تفعل… لأنك ببساطة، أقوى.