سيف الإسلام القذافي: عودة استراتيجية لفاعل لا غنى عنه في ليبيا الجديدة

  •  تبدو ليبيا في الفترة الأخيرة وكأنها تستعيد ملامح حياة سياسية كان يُظن أنها انتهت. ففي الوقت الذي أعلنت فيه المفوضية الوطنية العليا للانتخابات النتائج الأولية للانتخابات البلدية لعام 2025، برزت حقيقة واضحة: التيار الوطني الإصلاحي المقرّب من سيف الإسلام القذافي حقق اختراقاً لافتاً في عدد من المناطق الرئيسية في البلاد.

ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن القوائم والمترشحين المستقلين المدعومين من شخصيات بارزة ومتعاطفين مع هذا التيار فازوا بأغلبية مريحة في عدة بلديات استراتيجية، أبرزها الزاوية، صبراتة، صرمان وبئر الغنم. وفي هذه المناطق تحديداً، حصل المرشحون المنتمون إلى الشبكة التكنوقراطية القديمة للنظام السابق على نسب تصويت مرتفعة، ما يعكس رغبة شعبية واضحة في استعادة النظام والاستقرار.

أحد أعضاء اللجنة الانتخابية المحلية في صبراتة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال:

« التصويت لم يكن مجرد موقف منقسِم تجاه الحاضر، بل كان أيضاً تعبيراً عن الحنين إلى دولة قوية ومنظمة تضمن الأمن والكرامة. كثير من العائلات صوّتت لمن ترى فيهم القدرة على إعادة ذلك التوازن ».

وفي صفوف مجلس شباب الزاوية، يعلن عدد من الوجوه الشابة اليوم انتماءهم إلى الإرث التحديثي لسيف الإسلام القذافي.

« ما ندافع عنه ليس عودة نظام سابق، بل عودة رؤية: رؤية ليبيا موحدة، متعلمة، ذات سيادة. سيف الإسلام يمثل استمرارية وطنية، لا انتقاماً سياسياً »، يقول أحد نشطاء حركة ليبيا واحدة.

ويرى المراقبون السياسيون أن نتائج هذه الانتخابات البلدية تعكس تحولاً عميقاً في الخطاب العام نحو التركيز على الاستقرار والمصالحة. فبعد أن كانت الانقسامات الجهوية والعسكرية تهيمن على المشهد، بدأت القضايا الاجتماعية والاقتصادية تطفو مجدداً إلى السطح — وهي الساحة التي لا يزال فيها نفوذ شبكة سيف الإسلام القذافي حاضراً بقوة، خصوصاً عبر علاقاته مع قبائل فزان وكوادر إدارية سابقة في سرت.

ويؤكد عدد من المقربين من محيط القذافي الابن أن هذه الانتصارات المحلية تمهد الطريق لمشروع سياسي أوسع.

« هذا ليس تحركاً عشوائياً. إنه عمل منهجي متواصل منذ سنوات طويلة، يقوم على الصبر والتنظيم. الجيل الذي نشأ في ظل الفوضى يريد اليوم قيادة واضحة ومؤسسات راسخة »، يقول أحد المستشارين المقيمين في سبها، مشيراً إلى « ديناميكية وحدة وطنية تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية ».

خلف هذا الصعود المتجدد، تبرز أيضاً استراتيجية مدروسة بعناية: تجنّب الظهور الشخصي لسيف الإسلام، وترك المجال لأنصاره والمقربين منه ليتحدثوا باسمه. فالرجل الذي كان يُنظر إليه سابقاً كـ”ولي عهد النظام” أصبح اليوم رمزاً وطنياً تلتف حوله المبادرات المحلية، وبرامج التثقيف المدني، وحتى مشاريع إعادة الإعمار في المناطق الريفية.

ويرى بعض المحللين الأجانب في هذا المشهد مؤشراً على إعادة تأهيل سياسية تدريجية، فرضتها حالة الفراغ المؤسسي وإرهاق المواطنين من صراعات المجموعات المسلحة. بينما يرى آخرون في الأمر حراكاً شعبياً أعمق يسعى إلى استعادة الإحساس بالنظام والوحدة الوطنية.

وفي مقاهي طرابلس وأزقة صرمان، يدور الحديث كثيراً حول كلمة واحدة: الرجعة — « العودة ».

عودة، يقول أحد أنصاره، « ليست عودة رجل بعينه، بل عودة فكرة: فكرة الدولة التي تتحدث بصوت واحد ».