في العقبة يولد مستقبل الأردن الأزرق د. نضال المجالي

خلال هذا الشهر، خضعت العقبة لمراحل متقدمة في ملف تقييم إدراج محمية العقبة البحرية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، في مسار ومستوى يمثل إنجازا وطنيا ومحطة مهمة على الطريق لحماية البيئة البحرية وتعزيز التنمية المستدامة في الأردن. هذا التقييم والعمل لتحقيق متطلباته ليس مجرد تصنيف دولي، بل تتويج لرؤية ملكية سباقة عبر عنها جلالة الملك عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة، حين أكد على أن الاقتصاد الأزرق يمثل مستقبل التنمية المستدامة في المملكة، ويجب استثماره بما يحافظ على التوازن بين البيئة والنمو الاقتصادي.

ففي كلمته خلال المؤتمر الثالث للأمم المتحدة للمحيطات في مدينة نيس الفرنسية، تحدث واكد قائلا: «أن الشعاب المرجانية في خليج العقبة تتمتع بمرونة استثنائية في مواجهة درجات الحرارة القصوى، ولهذا يسعدني أن أعلن عن إطلاق الأردن لمبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق والمركز العالمي لدعم المحيطات».

هذا التوجه الملكي لم يكن إعلانا شكليا، بل خريطة طريق واضحة نحو جعل العقبة مركزا عالميا للمعرفة البيئية والبحث العلمي والسياحة المستدامة.

فالمحمية التي تديرها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة تعد جوهرة بيئية فريدة على شاطئ البحر الأحمر، إذ تضم نحو 160 نوع أقل وأكثر من المرجان الصلب وعدد من المرجان الناري والأنبوبي ونحو 15 نوعا منها فريدا لا تجده في المنطقة دون سواها، وهناك أيضا 18 جنسا من الطحالب القاعية، و3 أنواع من الأعشاب البحرية و507 أنواع من الأسماك تنتمي إلى 109 عائلات، و3 أنواع من السلاحف، ونوعان من أنواع المحار العملاقة المهددة بالانقراض، و72 نوعا من الإسفنج، و645 نوعا من الرخويات»، ما يجعلها واحدة من أكثر النظم البيئية توازنا وغنى في المنطقة.

وهذا يؤكد أن الحياة في الخليج ليست أرقاما وفق ما تجمعه مياهه الفيروزية بل إرثا وكنزا يتجاوز مخيلة الكثيرين، ويلزم ليكون التحدي الحقيقي منذ أول خطوة للتسجيل وإعداد الملف ويستمر بعد الإعلان المرتقب، إذ يتطلب التخطيط لما قبل وبعد الإعلان بالحفاظ على الاعتراف الدولي وما يستوجبه من إدارة دقيقة ومتوازنة تضمن حماية التنوع البيولوجي ومنع التلوث البحري، إلى جانب تعزيز الاستثمار في السياحة البيئية والبحث العلمي والابتكار. كما يجب أن تبنى شراكات وطنية وإقليمية تتجاوز حدود المحمية لتشمل مشاريع الميناء، والمرافق التعليمية، والطاقة، بما ينسجم مع غاية إنشائها الأصلية: أن تبقى نموذجا للتكامل بين البيئة والتنمية.

وحتى يكتمل النجاح ونضمن مستقبله، لا بد من ترسيخ ثقافة بيئية جديدة لدى زوار العقبة وكل من على أرضها أفرادا ومؤسسات وشركات، تكون قائمة على احترام البحر، والتعامل الواعي مع الشعاب المرجانية، والتعامل مع النفايات، والإدارة المثلى للأنشطة السياحية والاقتصادية وخصوصا الملاصق منها للبحر. فالحفاظ على الموقع ليس مسؤولية الدولة فحسب، بل واجب مجتمعي مؤسسي وسلوكي يومي. واقل أخطاءه أو أضراره بعد الإعلان هو الأشد والأكثر تأثيرا على سمعة المنطقة بيئيا.

ورغم أن العقبة ليست أول موقع أردني سجل أو تتجه الإجراءات ليدرج على قائمة التراث العالمي، إلا أن الأمل أن تكون الأولى في جودة الإدارة والنجاح العالمي. ولمن يتساءل: لماذا هذا الإدراج مهم وماذا يعني الاقتصاد الأزرق؟ الجواب بسيط وواضح: الاقتصاد الأزرق هو نموذج تنموي يربط بين حماية الموارد البحرية، وتعزيز البحث العلمي، وتطوير السياحة البيئية، وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة دون الإضرار بالنظم البيئية الحساسة.

إدراج محمية العقبة ليس فقط تكريما للبيئة، بل بداية مرحلة جديدة من العمل الوطني، حيث يصبح البحر الأردني رأسمالا مستداما يحمي التنوع البيولوجي ويترجم إلى فرص اقتصادية وعلمية وسياحية للأجيال القادمة، ويؤكد أن الأردن قادر على تحويل الأفكار الملكية والرؤى الوطنية إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع، فهل نحن فعلا جاهزون؟.

*مفوض البيئة والسياحة السابق في سلطة منطقة العقبة

الغد