من على منبر البرلمان، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه فخره بالأردنيين والأردنيات، واعتزازه بدورهم في صون الدولة وتثبيت قوتها، مستدعيا صورة الشعب سنداً للعرش ومصدراً لقوة الدولة وثباتها.
ااخطاب حمل ملامح موقف واضح واتجاه محدد، بوصفه رسالة سياسية ترسم شكل المرحلة المقبلة وتعيد تثبيت موقع الأردن في معادلة الداخل والإقليم، الكلمات خرجت منسجمة مع واقع سياسي ضاغط، ومع رهان واضح على الإنسان الأردني الذي يشكل العمود الفقري للدولة.
القراءة السياسية للخطاب تنطلق من رسائله لا من شكله، ومن طريقة ترتيب الملفات وتحديد الأولويات التي تعكس وضوح الرؤية الرسمية في التعامل مع التحديات، إن ما يقوله الملك من على المنبر لا يبقى في إطار التوصيف، وإنما يتحول إلى مؤشرات على شكل الأداء الحكومي ومسار التشريع ونقاشات الدولة في ملفاتها الكبرى.
منذ البداية، جاءت الجمل محمّلة برسائل سياسية صريحة، عبارة «الوطن يولد في قلب الأزمات» تعني أن الدولة ترى نفسها في قلب الأزمات وقادرة على صناعة مسارها. قول الملك «يسأل الشعب هل يقلق الملك؟ نعم يقلق… لكن في ظهره أردني» يعكس جوهر العلاقة بين القيادة والشعب، كما أن الشرعية في الأردن لا تُمنح من أعلى، وإنما تنبع من الثقة المتبادلة والالتفاف الشعبي حول مؤسسات الدولة.
في الشأن الداخلي، حمل الخطاب تكليفات واضحة لمجلس الأمة. التحديث السياسي، تعزيز العمل الحزبي النيابي، تحفيز الاقتصاد، جذب الاستثمار، خلق فرص العمل، تطوير التعليم، وتحديث القطاع العام، حيث لم تكن هذه العناوين سرداً عاماً، بل خطوطاً حاسمة لمسار مطلوب، وعبارة «لا نملك رفاهية الوقت» اختصرت الموقف وأغلقت الباب أمام التردد.
في محور الهوية الوطنية، أعاد الخطاب التأكيد على الركائز التي تستند إليها الدولة الأردنية، أولا وأهمها استدعاء صورة الجيش العربي المصطفوي ورجال مصنع الحسين بمثابة تثبيت لدور هذه المؤسسة كحارس للسيادة الوطنية وعمود الاستقرار. كما وضع الشباب في قلب الخطاب بوصفهم القوة التي تصنع المستقبل لا جمهوراً ينتظر.
أما الموقف الإقليمي فجاء حاداً في وضوحه. دعم الأردن لأهالي غزة، ورفضه الانتهاكات في الضفة الغربية، وتأكيده على الوصاية الهاشمية على المقدسات، جميعها مواقف تعكس ثبات السياسة الأردنية وعدم تراجعها تحت ضغط المتغيرات. هذا الموقف يضع الأردن في موقع فاعل، لا تابع، ويؤكد استمرار دوره في محيطه العربي.
إن خطاب العرش هذا العام أعاد ترتيب المشهد الوطني، من ناحية أنه أظهر دولة تستند إلى شعبها، متمسكة بقرارها، ثابتة في مبادئها، وحاضرة في الإقليم بموقف واضح، ولم يترك الخطاب مساحة للغموض، وأكد أن قوة الأردن تنبع من داخله، من تماسك مجتمعه، ومن ثقته بهويته السياسية. كان خطاباً يحمّل المؤسسات مسؤوليات محددة، ويعيد بناء الثقة بين القيادة والشعب على أساس الفعل لا القول.