في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الأردنيون، برزت ظاهرة خطيرة تتسلل بهدوء إلى حياة الناس وتستغل حاجتهم، تحت مسمى “التمويل مقابل رهن المركبات”. الفكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها في جوهرها أشبه بفخّ مالي قاتل: خذ اليوم 100 دينار.. وادفع غدًا 150 أو أكثر!
مواطنون ضاقت بهم السبل، أرهقتهم الفواتير وارتفاع الأسعار وتراجع الدخل، وجدوا أنفسهم مضطرين لرهن سياراتهم مقابل قروض فورية بفوائد تصل إلى 50% أو أكثر، لتتحول سياراتهم – في كثير من الحالات – إلى ملكٍ للدائن قبل أن يسددوا نصف المبلغ.
شركات “التمكين” أم “الاستغلال”؟
مصادر مصرفية تؤكد أن هذه الظاهرة آخذة في الاتساع، مع دخول جهات غير مرخصة تمارس نشاط الإقراض تحت غطاء “التمويل السريع” أو “الحلول المالية المرنة”، بينما هي في الواقع تستغل الحاجة والضيق، وتعيد إحياء أشكالٍ من الربا الفاحش الذي يجرّمه القانون وتحرّمه الشريعة.
إحدى هذه الشركات تقدّم نفسها كـ“رائدة في التكنولوجيا المالية” وشريك في تحقيق “أهداف التنمية المستدامة”! وتزعم أن التمويل الذي تمنحه “يساهم في دعم الابتكار والشمول المالي وتمكين الأفراد”، بينما الحقيقة على الأرض تختلف تمامًا:
قروض مرهقة، وشروط قاسية، ومواطنون يفقدون سياراتهم مقابل مبالغ زهيدة لا تكفي لسداد نصف التزاماتهم.
أين الرقابة؟
الأسئلة تتكاثر:
هل يحق لهذه الشركات رهن مركبات المواطنين بهذه الطريقة؟
وأين دور البنك المركزي ومراقبة الشركات في متابعة نشاطها؟
وهل يُعقل أن تُستغل حاجة الناس بهذا الشكل تحت غطاء “التمويل الحديث”؟
ما يجري ليس مجرد معاملة مالية، بل ظاهرة اجتماعية واقتصادية تستنزف جيوب الفقراء وتحوّل عجزهم إلى أرباح طائلة تُحوَّل خارج البلاد.
الرقابة الرسمية مطالَبة اليوم بالتحرك العاجل، قبل أن تتحول هذه القروض إلى كوارث مالية واجتماعية جديدة، ضحاياها من أبناء الطبقة المرهَقة التي لم يعد أمامها سوى خيارٍ واحد: الاقتراض بأي ثمن.. حتى لو كان الثمن سيارتها.