التهدئة المشروطة ومستقبل التصعيد في غزة.. كتب محسن الشوبكي

 

بعد مرور شهر على إطلاق خطة السلام الأمريكية في تشرين الأول 2025، يتعامل الكيان الصهيوني مع التهدئة بوصفها فرصة لإعادة التموضع وتخفيف الضغط الدولي، لا كحلّ دائم للصراع. فبينما يُظهر التزامًا شكليًا بوقف إطلاق النار، يواصل تنفيذ عمليات محدودة في غزة ولبنان وسوريا تحت غطاء أمريكي، محافظًا على جاهزيته العسكرية دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

نجحت المرحلة الأولى من الخطة في تحقيق وقف مؤقت لإطلاق النار وانسحاب محدود وتبادل للأسرى الأحياء، لكن الكيان يدّعي أن المقاومة تحتفظ بجثث الأسرى كورقة ضغط، ما يعزّز شكوكه ويجعله متمسكًا بسياسة “التهدئة المشروطة” — أي هدنة قابلة للانهيار متى شعر بأن مكاسبه غير مضمونة.

القيادة الصهيونية لا تثق بإمكانية تفكيك المقاومة عبر المسار السياسي، لذلك تركز على توجيه أو تعطيل المرحلة الثانية من الخطة، التي تنص على تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية لإدارة غزة وإدخال قوة دولية. ويسعى الكيان والولايات المتحدة إلى أن تكون هذه القوة تحت إشراف مباشر منهما، بعيدًا عن المظلة الأممية، بهدف فرض السلام وتجريد المقاومة من السلاح، لا حفظه فقط، وهو ما ترفضه الفصائل الفلسطينية ومعظم القوى الإقليمية.

في الداخل، يعيش الكيان الصهيوني حالة انقسام حاد بين التيارات السياسية والدينية والعسكرية، تتجلى في استمرار ضغوط اليمين المتطرف داخل الحكومة لإفشال أي مسار سياسي قد يُفسَّر كتنازل للمقاومة. ويتحايل نتنياهو على الإدارة الأمريكية بادعاء وجود خروقات من قبل حماس وعدم وفائها بالاتفاق وتسليم جثث الأسرى، لتبرير مواصلة القصف والعمليات في غزة. ورغم علم واشنطن بحقيقة هذه المراوغة، فإنها تتجنب مواجهته تجنبًا لهزّ التحالف السياسي والعسكري القائم.

أما بقاء بن غفير وسموتريتش في الحكومة، رغم تهديدهما بالانسحاب في حال وقف الحرب، فيُرجَّح أنه نتيجة وعود من نتنياهو بمواصلة العمليات العسكرية حتى بعد بدء التهدئة. كما يصرّ الكيان على إبقاء الإشراف المباشر على غزة بيده، ولو عبر واجهات إدارية شكلية، ما يعكس رفضه لأي ترتيبات قد تُضعف سيطرته الأمنية أو السياسية على القطاع. وتُستخدم التهدئة الحالية كمتنفّس مؤقت لتخفيف التوتر الداخلي دون أي توافق حقيقي حول مستقبل غزة أو شكل الحل النهائي.

في المحصّلة، يبدو أن العودة إلى التصعيد العسكري ليست احتمالًا بعيدًا بل مسألة وقت. فالكيان لا يرى في التهدئة نهاية للصراع، والمقاومة ترفض التنازلات الجوهرية، والإدارة الأمريكية تسعى لإنجاز سياسي سريع. لذلك تبقى التهدئة الحالية مرحلة انتقالية هشة، قد تنهار في أي لحظة إذا فشلت الأطراف في فرض رؤيتها لمستقبل غزة والقوة الدولية المرتقبة.