ترامب والبرغوثي: قراءة في الدلالات السياسية لحديث الإفراج وأثره على مستقبل القيادة الفلسطينية” م. عميد العابد

 

بين المناورة والفرصة: هل يشكّل تصريح ترامب مدخلًا لإعادة الاعتبار للقيادة الفلسطينية الموحدة؟
أعاد تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إمكانية الإفراج عن الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي إحياء نقاش سياسي واسع حول مستقبل القيادة الفلسطينية وإمكانيات تجديد الشرعية الوطنية. التصريح، الذي جاء في توقيت حساس عقب الحرب على غزة، لا يبدو معزولًا عن محاولات واشنطن استعادة دورها في صياغة المرحلة المقبلة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، خصوصًا في ظل حديث ترامب عن غياب “قائد واضح أو مرئي” للفلسطينيين.. هذا التوصيف يشي برؤية أميركية تعتبر أن الساحة الفلسطينية في حالة فراغ قيادي قد يتطلب إعادة هندسة لمراكز القوة والتمثيل السياسي.
يكتسب الحديث عن مروان البرغوثي دلالات تتجاوز البعد الإنساني أو الرمزي إلى ما هو سياسي واستراتيجي؛ إذ يُنظر إليه في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية كشخصية قادرة على تجسير الانقسام واستعادة مشروع التحرر الوطني إلى مساره الجمعي.. من هنا، فإن مجرد طرح اسمه من قبل شخصية بحجم ترامب يحمل في طياته رسائل متعددة الاتجاهات: إلى الفلسطينيين بضرورة إعادة بناء قيادة موحدة، وإلى “إسرائيل” بأن ملف الأسرى يمكن أن يصبح ورقة ضغط سياسية، وإلى الإقليم والعالم بأن الولايات المتحدة ما زالت تمسك بخيوط اللعبة في لحظة إعادة ترتيب المنطقة.
ومع أن التصريح لا يعني بالضرورة قرارًا وشيكًا بإطلاق سراح البرغوثي، إلا أنه يعكس تحوّلًا محتملاً في مقاربة الملف الفلسطيني داخل الدوائر الأميركية. فبين من يرى في الأمر مناورة أو محاولة لاسترضاء الرأي العام الدولي، ومن يعتبره بداية لتفكير جاد في تجديد القيادة الفلسطينية، يظل السؤال المركزي قائمًا: هل يمكن أن يشكّل هذا التصريح بداية لمسار سياسي جديد يعيد الاعتبار لمفهوم القيادة الوطنية الجامعة، أم أنه سيبقى مجرد فقرة عابرة في خطاب عابر يفتقر إلى أي التزام فعلي؟
تحليل كلام دونالد ترامب بشأن احتمالية المطالبة بإطلاق سراح مروان البرغوثي يتطلب النظر في الأبعاد السياسية، الاستراتيجية، والدلالات الإقليمية والدولية.
فيما يلي عرض تفصيلي لهذه الأبعاد:
1.محتوى التصريح
• قال ترامب في تصريحه لصحيفة التايمز إنه «يُحاصره ذلك السؤال قبل 15 دقيقة من اتصالك، فكان سؤالي اليوم… سوف أتخذ قرارًا.
• لفت إلى أن الفلسطينيين «ليس لديهم قائد واضح الآن، على الأقل قائد مرئي.
• التصريح يأتي في سياق جهود الولايات المتحدة ومحاولة إدارة ترامب لعب دور أكبر في ما بعد الحرب على غزة والإطار السياسي الفلسطيني – الإسرائيلي.
2. الدلالات السياسية
• إشارة إلى فراغ قيادي فلسطيني: ترامب يشير إلى أن الفلسطينيين يفتقرون إلى قيادة واضحة، ما يُعد إشارة إلى أن واشنطن ترى أن هناك فرصة أو حاجة لتجديد أو تغيير هيكل القيادة الفلسطينية، وربما إدخال شخصية جديدة أو إعادة تموضع سياسي.
• استحقاق البرغوثي كحلّ أو طرف تفاوضي: البرغوثي يُنظر إليه من قبل كثيرين بأنه شخصية تحظى بشرعية شعبية عالية وقد تُشكّل عاملًا وحدويًا داخل الساحة الفلسطينية. إشارة ترامب إلى الموضوع تنمّ عن وضع واشنطن له في الاعتبار كخيار سياسي
• مؤشر على تغير محتمل في الموقف الأميركي تجاه “إسرائيل”/الفلسطينيين: مطالبة محتملة بإطلاق سراح البرغوثي تعني أن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة لممارسة ضغوط على “إسرائيل” أو الدخول في مفاوضات أكثر مرونة في موضوع الأسرى/السجناء الفلسطينيين.
• أداة ضمن إطار «ما بعد الحرب»: تأتي التصريحات في سياق ما بعد حرب غزة والتساؤلات حول حكم غزة والضفة، ومن سيقود الفلسطينيين، مما يجعل ملف البرغوثي مرتبطًا بدينامية سياسات ما بعد النزاع.
3. المعوقات والتحديات
• موقف “إسرائيل” الرافض: حكومة نتنياهو أوضحت أن البرغوثي ليس مطروحًا ضمن صفقة تبادل الأسرى الحالية.
• الخوف الإسرائيلي من عودته للقوى: “إسرائيل” تعتبر البرغوثي شخصًا محوريًا يمكن أن يعيد ترتيب الساحة الفلسطينية، ما يُنظر إليه كتهديد لاستراتيجيتها تجاه الفلسطينيين.
• حسابات داخلية فلسطينية معقّدة: إطلاق سراح البرغوثي قد يُعيد بعض التوازن داخل الساحة الفلسطينية، لكنه أيضًا قد يُواجه مقاومة من بعض الفاعلين المحليين الذين قد يرون في ذلك تغيّراً في مراكز القوى.
• الشرط الدولي والقانوني: البرغوثي محكوم عليه بخمس مؤبدات في “إسرائيل” بتهم مرتبطة بأعمال حرب وبنية تنفيذ عمليات قتالية.. أي إطلاق سراح سيخضع لصفقات/ضغوط دولية وإسرائيلية ربما مع قيود وشروط.
4. الرسائل التي يحملها التصريح
• رسالة إلى الفلسطينيين: هناك من هو «ينظر إليهم» ويعتبر أن شؤونهم تحتاج قيادة جديدة ما يمنحهم بعض الأمل في إعادة تجديد دور سياسي.
• رسالة إلى “إسرائيل”: أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى أدوات ضغط غير تقليدية في ملف الفلسطينيين، وخصوصًا في ملفات الأسرى والسجناء، ما يُذكّر “إسرائيل” بأنها ليست وحيدة في رسم إطار ما بعد الحرب.
• رسالة إلى الفاعلين الإقليميين والدوليين: أن واشنطن تنوي أن تكون لاعباً مركزياً في إعادة صياغة الوضع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأن ملفات القيادة والأسرى ليست خارج حساباتها
5. ماذا يعني عمليًا؟
• ليس بالضرورة أن يُترجم التصريح فوراً إلى إطلاق سراح: قد يكون التصريح «بروباغاندا استراتيجية» أو ورقة تفاوضية تُستخدم في إطار أكبر.
• إذا تمت الخطوة، فسيكون تأثيرها كبيراً على الساحة الفلسطينية: استعادة البرغوثي لحضور سياسي مفتوح يمكن أن يؤثر على ترتيب القوى – بين الضفة وغزة، بين الفصائل المختلفة.
• على “إسرائيل” أن تقرر ما إن كانت ستقبل بمثل هذه الخطوة، وما إن كانت هناك صفقة تشمل «مقابل» أو ضمانات أمنية.
• من زاوية المشروع الوطني الفلسطيني، إطلاق سراح البرغوثي قد يكون فرصة لإعادة بناء القيادة وتمثيل فلسطيني موحد، لكن أيضاً يحمل مخاطراً: قد يُعتبر تغيّيراً مفاجئاً دون تحضير ميداني وجماهيري، أو قد يُثار حوله جدل داخلي حول الشروط والتوقيت.
6.توصيات وقراءة مستقبلية
• من المهم أن الفلسطينيين ينظروا إلى التطور ليس فقط باعتباره «هدية أميركية» بل كفرصة ويعملوا على تحضيره من جهة تمثيلية وتنظيمية — هل ستكون قيادة موحدة، ما هي الشروط، ما هو الدور الذي سيقوم به البرغوثي إن أُطلق؟
• على القيادة الفلسطينية أن تكون جاهزة لطرح ما بعد الإطلاق: برنامج سياسي واستراتيجي يعيد ترتيب العلاقة مع “إسرائيل”، العلاقة الداخلية، العلاقة مع الشتات، وعاصمتها القدس.
• على مراقبي الشرق الأوسط أن يراقبوا: هل سيطالب ترامب رسمياً “إسرائيل” بأن تطلق سراحه؟ ما هي المواقف الإسرائيلية الفعلية؟ ما هي التبعات للدبلوماسية الأميركية – الإسرائيلية – الفلسطينية؟
• من زاوية “إسرائيل”: هل ستقابل مطلبًا أميركياً كهذا؟ وهل ستُشترط إطلاق سراح البرغوثي بمقابل؟ ما هي التداعيات الأمنية والسياسية؟
• من زاوية الجمهور الفلسطيني: ينبغي توقع ردود فعل متفاوتة — من التفاؤل والاحتفال إلى الشكوك والحذر، بحسب كيفية تنفيذ الخطوة وما يُرفق بها من ضوابط وشروط.
خاتمة: تصريح ترامب يشكل نقطة تحوّل محتملة في ملف القيادة الفلسطينية والسجناء الفلسطينيين، ويُظهر أن الولايات المتحدة تنظر إلى موضوع البرغوثي ليس فقط باعتباره قضية إنسانية، بل باعتباره أداة استراتيجية ضمن التسوية الأوسع لما بعد الحرب في غزة ولما بعد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. لكن، كحال الكثير من تصريحات القادة، الترجمة إلى واقع تحتاج شروطاً، تحالفات، وضغوطاً قد تمتد زمنياً، ولا يمكن اعتبار الأمر حتمياً حتى الآن.