لبنان على صفيح ساخن لحصر السلاح بيد الدولة كريستين حنا نصر

وصف توم براك في منتدى حوار المنامة مؤخراً الوضع في لبنان ، بأنها دولة فاشلة ، حيث ذكر وعلى الملأ وبكل صراحة فشل الحكومة اللبنانية في احتواء الوضع الداخلي ولاسيما الضعف الاقتصادي الراهن ، اذ لا يوجد فيها بنك مركزي أي أن النظام المصرفي اللبناني واقعه شبه مفلس ، وهناك 60 مليار دولار مفقودة من النظام المصرفي ، ناهيك عن ديون الدولة المتفاقمة ، حيث وصل الدين العام فيها الى 130 بليون دولار ، وايضاً شركة الكهرباء مفلسة ، لذا فإن السؤال الابرز هنا ، هو ما هي أوصاف هذه الدولة الحالية ؟.
و يؤكد توم براك أن الدولة الحالية القائمة هي حزب الله والسبب الأساسي أن الحزب يتمتع بقدرات عسكرية تفوق قدرات وقوى الجيش اللبناني الحالي وبقدرة تبلغ حوالي 40 الف مقاتل مزودين بالسلاح والصواريخ ، و التي تتفوق عسكرياً عن الجيش اللبناني ، وبالاخص أن حزب الله مؤخراً قد أعاد تسليح نفسه متحدياً بذلك الجميع ، وبالرغم من اتفاق وقف اطلاق النار الذي أنهى الحرب الاسرائيلية على جنوب لبنان منذ عام ، والذي أدى الى استشهاد عدة قادة وعناصر من حزب الله وتحديداً فيما سُمي بعملية البيجر ، واستشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله .
ان هذا العجز الحكومي العسكري يمكن أن يفتح المجال أمام اندلاع مواجهة جديدة بين اسرائيل وحزب الله ، وبشكل خاص على الحدود اللبنانية الجنوبية ومناطق الضاحية ، حيث تتواجد في الجنوب اللبناني الاف الصواريخ التي يمتلكها حزب الله ، في حين يفتقر وجود مثلها لدى الجيش اللبناني ، الذي يعاني حالياً من ضعف موارده الاقتصادية اضافة الى نقص في الموارد والعناصر البشرية أيضاً ، ولهذا السبب لم تتمكن الدولة اللبنانبة وحتى الآن من النجاح بتحقيق خطوة حصر السلاح في يد الدولة والجيش ، وأكد براك أن اسرائيل مستعدة الى الوصول الى اتفاق حول الحدود ولكن يجب على لبنان الدخول في مفاوضات لحماية حدوده ، اذ يجب أن يكون هناك حوار بين الدولة اللبنانية واسرائيل ، مؤكداً براك كذلك أيضاً على انه لن تكون هناك أي مشاكل بين اسرائيل ولبنان إذا تمّ النجاح في نزع سلاح حزب الله ، وبصورة خاصة أن الاف الصواريخ التي يمتلكها حزب الله في الجنوب اللبناني تهدد اسرائيل ، كما أكد براك على انه يجب حل هذه المسألة البالغة الأهمية أي ما يخص النجاح في حصر السلاح في يد الدولة ، خصوصاً في اطار رفض حزب الله تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية بذريعة الدفاع عن لبنان ، وهذا ينذر اتجاه الملف اللبناني إلى مرحلة دقيقة جديدة وإمكانية انزلاق الوضع إلى مواجهة بين اسرائيل وحزب الله مجدداً .
وفي الوقت نفسه يبدو أن الوضع اللبناني الداخلي معقد بين الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية التي تضغط تجاه نزع سلاح حزب الله ، حيث صرح الرئيس اللبناني جوزيف عون بقوله : ( ان لا خيار أمام لبنان الا التفاوض مع اسرائيل ) ، فهل سينفذ صبر امريكا وتعطي الضوء الاخضر لاسرائيل لشن معركة على حزب الله لنزع السلاح بالقوة ؟ ، و في المحصلة يقف لبنان الان على حافة حرب قريبة و محتملة في الجنوب اللبناني ، خاصة في ظل وجود ضغوط دولية نحو عدم انفجار الوضع العسكري في لبنان ، في وقت يشهد فيه لبنان مرحلة عصيبة في هذه الفترة تحديداً ، خاصة احتمالية تفجر الوضع وبلوغه مواجهة شاملة قد تُطيح بالتوازنات السياسية والاقتصادية الهشة أساساً ، اذ ان لبنان هو جزء من الشرق العربي ومتصل بالتطورات الاقليمية الحالية ، والقوى السياسية الداخلية تسعى الى عدم الوصول الى حالة الانفجار الكبير والشامل في لبنان .
و زيارة توم براك الى لبنان مؤخراً تأتي كونه حاملاً معه رؤية السياسة الامريكية للبنان ومفادها منع توسع الحرب نحو الشمال ووضع قواعد صارمة جديدة للاشتبك والسعي للضغط على حزب الله وملاحقة داعميه ، حيث أنه وفي هذه الفترة هناك تطورات متعلقة بالحرب في غزة ، والسعي الى تطبيق وقف الحرب فيها ، اذ ان مبدأ وحدة الساحات لدعم حركة حماس في الحرب أصبحت خارج الموضوع والاهداف ، خصوصاً بعد الاتفاق لوقف الحرب في غزة ، وايضاً الوضع المتأزم الداخلي اللبناني على الصعيد العسكري والسياسي والضائقة الاقتصادية والدين العام المتفاقم ، وكل هذه الامور تضعف الدولة على ما يبدو لاخذ القرار الحاسم لنزع سلاح حزب الله وفرض سيادة الدولة والجيش في هذه المرحلة بالتحديد .
اذ انه لا سيادة للدولة اللبنانية ولا استقرار أمني واقتصادي شامل ، في ظل استمرار وجود سلاح حزب الله وعدم النجاح في نزعه ، اي وجود جيش خارج نطاق الدولة ، وهذا هو السبب الاساسي في ضعف هذه الدولة ، ولا يمكن لدولة أن تتخذ قرارات أمنية خاصة فيما يتعلق بشن حرب أو من عدمه ، وكون القوى الاكثر قوة عسكرية حالياً في لبنان هي حزب الله . ان الوضع الحالي اللبناني خصوصاً ما يتعلق بعدم النجاح في نزع سلاح حزب الله الى الآن ، يمكن أولاً أن ينذر باندلاع حرب في جنوب لبنان بين اسرائيل وحزب الله مجدداً ، وهذا يمكن أن يفجر الوضع الداخلي اللبناني الهش ، ويؤدي الى حدوث انشقاق ونزاع طائفي وحزبي بين الفرقاء ، قد يهدد بتفكيك واطاحة ما بقي من مؤسسات الدولة .
ولتجنب أي تطورات واحتمالية لانفجار الوضع الداخلي اللبناني أخذت المؤسسة العسكرية اللبنانية مبادرة وخطة واضحة للجيش ، تهدف لجعل الدولة تأخذ زمام التفرد بالسلاح عبر خطة تتضمن السير بمراحل جغرافية زمنية محددة ، تطبق تدريجياً بهدف السيطرة على مناطق معينة ، وفرض سيادة الدولة وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني والسعي الى منع تفاقم الامور الأمنية وتوسع الحرب في لبنان .
وللأسف من الممكن أن تفشل هذه الخطة بوجود انقسام حاد سياسي وبرلماني حول التوقيت وأليات تنفيذ مراحل الخطة ، واحتمالية تحويل هذه المبادرة الى اشتباكات مسلحة بين حزب الله والجيش اللبناني ، باعتبار أن الحزب والى الآن يرفض تسليم السلاح سلمياً ، فهل ستنجح الدولة بتطبيق الخطة وفرض السيادة وحصر السلاح بيدها وبدون تفاقم الامور الى حرب داخلية ؟ ، ومن الممكن أن تدخل اسرائيل على الخط ، خاصة اذا لم تنجح هذه الخطة الامنية وبالتالي احتمالية حدوث حرب مفتوحة مع حزب الله في الجنوب ، وايضاً اشتباكات على الحدود اللبنانية السورية والتي قد حصلت سابقاً بين السوريين واللبنانين على الحدود، وللأسف فان الوضع الحالي الداخلي اللبناني والانقسامات تضعف من سيادة الدولة على حساب حزب الله ، يجب اخذ قرارات سيادية لتفادي أي تطورات تجعل هناك من تفاقم للوضع الامني الداخلي اللبناني .
وللاسف المشهد اللبناني الحالي معقد وحساس وينذر الوضع الحالي باحتمالية تفجر الوضع على الحدود الجنوبية مع اسرائيل ، وتفجر الامور أيضاً داخلياً بين الفرقاء والاحزاب السياسية المنقسمة أصلاً ، والتي هي غير موحدة بالرؤية والافاق السياسية تجاه المصلحة الوطنية اللبنانية العليا للأسف ، خاصة أن العنصر الاقوى من الاحزاب يتفرد بالسلاح وهو الاقوى اقتصادياً وعسكرياً ومدعوم من ايران ، وتطغى سيادته على سيادة الدولة في الوقت الراهن ، وبالنهاية الايام المقبلة هي حافلة بالتطورات في المشهد السياسي والعسكري في لبنان وينذر بالانفجار في أي وقت للأسف.