خديعة الزيت؛ حيث تتسلل الرأس مالية بثوب الفضيلة! كتب: يزن عيد الحراحشة

 

نبدأ شهر تشرين الثاني مفتتحين أردنيا موسم الزيت الكبير، حيث يشير التقرير الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة حول الموسم الماضي (2024/2025) أن كمية زيت الزيتون المنتجة في عموم المملكة كانت 35828 طنا من الزيت، وبحسبة رياضية فهذا يعطي هذا الزيت قيمة نقدية تبلغ 222 مليون دينار بمتوسط 100 دينار للتنكة (سعرها تراوح من 90 دينار فأعلى في حال التجزئة أو التصدير).
هذه الملايين تشكل سنويا مصدر دخل موسمي (بيدر) لعدد كبير جدا من العائلات، بل وتعتبر مصدر دخل رئيسي في المناطق الريفية معتمدة الزيت كوسيلة إنتاج أولى، عداك عن أساسية الزيت للعائلات أنفسها من حيث الاستهلاك ودخوله في أغلب الأطباق الشعبية.
ولسوء الحظ نعايش سنواتنا الأخيرة آثار التغيرات المناخية، فمواسم الأمطار تبدلت، بل وشح الشحيح من الماء، وهذا ما بلغ أوج تجلياته حاليا، حيث يعاني المواطنون المعتمدون على الزيتون حبا وزيتا مرارة هذا، فزيتونهم البعل (المقتصر على مياه المطر المباشرة دون سقاية منهم) تضرر بشدة، وزاد الطين “قحطا” تعرض البلاد لعدة موجات صقيع أثرت بشكل حرج في الأشجار.
وفي خضم هذه المأساة اضطر المزارعون ومن بعدهم صغار التجار إلى رفع سعر الزيت المعروض للبيع، وهذا لأسباب منها تعويض فاقد الزيت المتوقع، وارتفاع تكاليف القطف بسبب شح الزيتون -أي أنهم سيدفعون مياومات أكثر مقابل إنتاج أقل- عداك عن ارتفاع تكاليف العيش عموما.
ولأن لكل أزمة تجار، ولكل كبوة جواد ذئب يتربص، نجد محليا استغلالا واسعا لمبادرة مؤسسة (روابي فرح) الزراعية والتي أعلنت تخفيضات لأسعار الزيت المنتج من مزارعها، ليتبعها بعد هذا عدد كبير من الشركات الرأس مالية بعرض الزيت وتسويقه بأسعارٍ مخفضة، وإننا وإن برأنا روابي فرح بسبب تخصصها، فالعجب العجيب أن عددا من هذه الشركات تعرض الزيت لأول مرة في تاريخها، بل هي في مجالات غذائية أبعد ما تكون عنه، وكل هذا يقدم في ثوب من الفضيلة بحجة مصلحة المواطن وجيبه، بل ويطلب منا تصديق أن رأس المال المليوني الذي يعطي الحدود الدنيا للأجور ويقلب موظفيه دوريا بسبب معاناتهم من ضغوط العمل – يريد الآن الصالح العام!
في نهاية المطاف، للزيت أهله، وهم يعرفون الطيب من الخبيث من البعل من المروي من المستورد من البيات من السنة الماضية، ولكن للأسف في عصر توحش رأس المال والتسهيلات الدائمة لسحق الطبقة المتوسطة والدنيا نجد تمكينا يسيرا “لحيتان السوق” لتصفية صغار التجار وضرب موسم المزارعين الذي يعانون من الشح المطري والطمع في ارتفاع أسعار الأراضي وتعدد أشكال استغلالها الحديثة (أغلبها خدمية لا إنتاجية) والتي ستدر عليهم أرباحا أعلى.
للأسف، نحن مستمرون في سلخ الإنسان عن أرضه، فبعد مشوار طويل من سلخه عنها لصالح الوظائف البيروقراطية نتم هذا الآن بوضعه وجها إلى وجه مع رأس المال الذي لن يبالي بقليل الربح مقابل الكم الكبير، بل ومقابل “حملة تسويقية مجانية”.
نعم، غالبا ستكون الغلبة في نهاية المطاف لشركات الاستيراد والسقاية والتخزين “والخلط” ورأس المال المنظم، لكن هذا كله على حساب الوطن وطبقتيه الفقيرة والمتوسطة، فنحن بصريح العبارة نستبدل المزارع المنتمي برأس المال المتوحش، والأردن عن هذا أغنى، بل ولخلافه أحوج!