تغير التكنولوجيا والتغير في القيم، من الخاسر؟الدكتور حسن البراري العجارمة

لم تعد الدولة، أي دولة مهما وصلت حالة التضييق فيها، قادرة على منع الناس من التعبير، بالأمس دعيت إلى كلوبهاوس ضم المئات من الأردنيين الذي تحدثوا بالشأن العام، ودار نقاش ثري وراقي. اختلف المتداخلون واتفقوا، وهذا الأصل، لكنهم جميعا اتفقوا على محبة وطنهم.

– أنا من جيل الصحافة الورقية، وكنت من الذين يحتالون ويلعبون على اللغة حتى أتمكن من تمرير رسالة لا يلتقطها مقص الرقيب، ولم أنجح في كثير من المقالات، فكانت إما تشطب كاملة أو يتدخل المحرر وبالتالي أقرأ مقالتي في اليوم التالي كبقية القراء وفيها تعديلات كثيرة تحرجني أحيانا أمام بعض الاصدقاء فأقوم بالتبرير. كانت تجربتي مع صحيفة الجوردان تايمز أفضل حالا، وكنت أكتب براحتي ولم تتعرض التجربة لانتكاسة إلا بعد أن عين رئيس تحرير لا يعرف لغة انجليزية ولا سياسة، عندها قررت ايقاف نفسي عن الكتابة بعد عشرين عام بالتمام والكمال من الكتابة باللغة الانجليزية.

– وبعد أن تحول المواطن إلى صحفي، برزت ظاهرة “المؤثرين” على السوشيال ميديا، وسارعت الدولة في احتوائهم، والحق أنهم ليسو مؤثرين على الرغم من عدد المتابعات لأن محتوى ما يقدمون متواضع وفيه سذاجة لا توصف. لكن الدولة تخشى الكتابة، وتخشى حرية التعبير أكثر من خشيتها للأخطار الحقيقية التي تتهدد البلد برمته، بل وتتحالف مع دول وأنظمة لا تقيم وزنا لمصالحنا.

– تعلمنا من تجارب الأمم الأخرى أن التقدم التكنولوجي يرافقه قيم جديدة. في الأردن الوضع مغاير، فكلما تقدمت التكنولوجيا وكلما ارتفع منسوب الصحوة السياسية عند المواطنين تزداد المركزية في صناعة القرار، وتتعمق حالة اقصاء الناس وتقل فرص المشاركة الشعبية.

– الخاسر الوطن، وهذا ما يتوجب على رأس الدولة أن ينتبه له، فحل المشكلات التي تعصف بالأردن يستلزم توسيع قاعدة المساءلة والمشاركة الشعبية لا تقليصها، والحل أيضا يتطلب التشاركية وليس التضييق والشيطنة، فهذا اسلوب قد ينفع لشراء بعض الوقت لكن كل محاولات التضليل لن تنحجب الحقيقة الساطعة التي تفيد بأن أصل البلاء هو الاستبداد.

الدكتور حسن البراري العجارمة