هناك في خاصرة البادية الشمالية، حيث تنحني الريح احترامًا للأرض، وتلوح الشمس بذهبها على رؤوس الهضاب، تولد حوشا كل صباح كأنها قصيدة من تراب وكبرياء وهي ليست بلدة فحسب، بل نورٍ وطموحٍ، تنظر إلى البعيد بعين الأمل، وتشدّ على حروف اسمها كما يشدّ الفارس على زمام فرسه في مضمار العز.
حوشا البنت الطموح لها طعم خاص وفريد ، عالية بكل معاني العلو ، عزيزة منيعة جامعة مانعة وديعة ، ذات هواء عليل أهلها مجبولين بالفروسية والسمو والنيافة ، حفظها الله وأهلها وأدام عزها وحماها .
من صهيل التاريخ تبدأ الحكاية
فمنذ أن عرفت الصحراء خطى الرجال، كانت حوشا شاهدةً على البدايات ، من هناك مرّ الفرسان، وهنالك أُوقدت النيران للضيوف، ورفرفت رايات النخوة على سارية الكرامة ، في كل بيت قصة، وفي كل حي صدى لرجولةٍ ما انكسرت يوما، ولا خذلت وعدا.
وإذا كان للصحراء سرّها، فلحوشا سرٌ أعمق ، فهي حيث تتهادى الأودية كخيوط فضة على جسد الأرض، وتهمس الحجارة بحكايات الأزل ، هنا لا يموت الربيع أبدا، فهو ينبع من قلوب أهلها قبل أن تتزين به الربى وفي لياليها، يكتسي السكون بهاء وتغسل النجوم وجه القمر بضياءٍ ، يذكرك ببساطة الحياة وروعتها ، إنها بلدة تعلّمك أن الجمال ليس في الزخرف، بل في صفاء النفوس واتساع الأفئدة.
انها “حوشا البنت الطموح”، لأنها ما رضيت يوما أن تكون ظلا لأحد ، تغزل من شمس النهار عباءة حلمها وتزرع في رمل الصبر وردة لا تذبل.
نعم تتعثر أحيانا، لكنها تنهض كل مرة وفي عينيها بريق التحدي، كأنها تقول: “أنا بنت الصحراء والريح لا تخيف من وُلد بين جناحيها.
رجالها ميدانهم الموقف ففي حوشا، الرجولة لا تُعلّق على الجدران، بل تروى في المواقف.
رجالها لا يتحدثون كثيرا، لكن حين ينطقون، تصغي إليهم الأرض.
هم أول من يهب لنداء الوطن، وآخر من يترك الميدان ،في وجوههم قسمات النخوة، وفي قلوبهم حنين إلى المجد القديم، الذي لا يزال حيا في تفاصيلهم.
كالدرة بين الرمال، تلمع حوشا بصفاء القلوب التي تسكنها.
فيها من الطيبة ما يسكب الدفء في الغريب، ومن العزّة ما يرفع الرأس عاليا.
هي البلدة التي تجمع بين الهدوء والهيبة، وبين البساطة والشموخ
إذا مررت بها، شعرت أن الزمن يبطئ خطاه احتراما لجمالها المتواضع.
سلامٌ على حوشا ، سلامٌ على فرسانها ، وصبر وعظمة نسائها، شقائق الرجال، اللواتي يزرعن بالعزم حيث لا ظل إلا ظل الصبر، ويرضعن الأجيال حليب العزة والإباء ويصنعن من نسيج قطرات الندى أغاني ترافق القوافل، ويحفظن في صدرهن أسرار الأرض والسماء.
فطموح “حوشا ” ليس طموحا فرديا، بل هو إرث تتناقله الأمهات والبنات، ليبقين شموسا تشرق على البلدة ومستقبلها.
سلام على شيوخها الذين ما خمدت فيهم نار الكرم، وعلى شبابها الذين يحملون الحلم كما يحمل البدوي سيفه، لا يفرط به مهما اشتدّ الهجير.
سلامٌ على البنت الطموح، التي ما زالت رغم تغيّر الدنيا، تكتب اسمها على وجه الصحراء بخط من ذهب، وتقول للعالم:
“أنا حوشا ، درّة البلدات وميدان الرجولة ولست مجرد نقطة على الخريطة، بل علامة في القلب والذاكرة ، درّة لا يصدفها إلا من يقدر أصالة التراب وعبق التاريخ، وميدان رجولة لا يدخله إلا من اتسع صدره للحق والشهامة ، فدمي يا حوشا نبعا للعطاء، ودرة تتلألأ في تاج البادية، وشمسا لا تغيب.