حَاويات القِطَط والحَشرَات والإمرَاض ..يلينا نيدوغينا

في موقع فضائية “الجزيرة”، سبق وأن قرأت عن الحاويات الذكية. أثَاَرَ الأمر اهتمامي الشديد، بخاصة أننا مَللنا من حاوياتنا التقليدية المَوروثة من مُجتمَعات المَشاعيَّة البِدائية. هذه المَكبات المَفتوحة والمُشرعة أمام كل أجناس الحيوانات والقوارض والحشرات التي تَمثُلُ أمامنا صباح كل يوم، لا تنتمي للقرن الحادي والعشرين، فهي مُتّسخة تمامًا ولا غطاءً يَكف شرورها عنّا، فصارت هدفًا للتندّر من المَحليين والسيّاح والأجانب على حد سواء. هؤلاء يتطلعون إليها لكأنها من قرون العصور الوسطى التي شهدت إصابات بليغة لدى شعوب بعض القارات والبلدان بأمراض خطيرة جرّاء انعدام النظافة المُجتمعية. حاوياتنا كحاويات أزمان القروسطية، حاضنة للحشرات و”تزورها” على مدار النهار والليل القطط والفئران وبشر قَعر المجتمع أيضًا، وتبدو وكأنها مُختبر ثابت لتصنيع الأمراض والأوبئة وتوزيعها على مَن هَبَّ ودَبَّ، فهي تلحق أضرارًا بالغة بالبيئة، وتُصيب الفقراء وأولادهم وبناتهم بأمراض عديدة في آن واحد. هؤلاء المُواطِنين المِعوزِين وَالْمَسَاكِينِ المَقهورون طبقيًا واجتماعيًا، مُرغمون على هذا النمط الوضيع في المجتمع الطبقي الذي لا يَعرف كامل الرحمة. هؤلاء المواطنون من الكِبار والصِغار ينبشون الحاويات من أسافلها إلى أعاليها، بحثًا عن عُلَب المشروبات الغازية، والبلاستيك، والزجاج، والحديد، والأخشاب، والورق، والكرتون وهَلُمَّ جَرَّا، فيصابون بالأوبئة الخطيرة، والجائحات المُدمِّرة.
هذا الأمر، هذه الصورة المؤلِمة جدَا، إنما تستلزم تجديد الحاويات، بما يتناسب وَرُقي المَملكة في عَالم الحاسوب والإنترنت وغزو الفضاء والتحضّر غير المسبوق بشريًا، وبفرض حالة من الرقابة الشديدة والمُخالفات الفورية وفرضها على أي فرد يُلقي القُمامة على الشارع والحديقة العامة والرصيف، أو بجوار صناديق ومكبات القُمامة، وأهمية تركيب كاميرات مراقبة في المُربعات التي توجد فيها الحاويات وتشهد في الوقت نفسه كثافة سكانية.
مسألة تجديد الحاويات بأخرى عصرية يجب أن تتناسب وقرن المَعرفة والتكنولوجيا والمجتمع الرقمي الذي نعيش فيه، فقد بات ذلك ضرورة مُلحة. إن وجود حاويات القُمامة المتطورة سيتناسب ونمط حياتنا العَصري، وصورة مَمْلكتنا التي تحتفل بمئويتها، والكاريزما التي يتمتع بها الأردن في دولِ المَعمُورةِ، وشعبنا الطيب الذي يَستحق أن يتباهى بكل إنجاز وطني وصحّي جديد. كذلك، فإن كل ما ينتشر في الشوارع يَمنح للسياح والزوار، ومنذ اللحظة الأولى لدخولهم إلى مُدننا وقُرانا ومَناطقنا، انطباعًا إيجابيًا أو سلبيًا. فالشوارع في أية دولة هي المرآة الحقيقية والصورة الواقعية التي تعكس حقيقة وماهيّة البلد وطبيعة مواطنيه ومستوياتهم في كل المجالات، ومدى تطورهم وتحضّرهم، ودرجة ثقافتهم، وبالتالي أساليب وكيفيات التعامل معهم، والعكس بالعكس صحيح.
في مَشَاهِد أخرى، هنالك عادة بشعة ومُغرِقة في رجعيتها وبشاعتها، أَلَا وَهِيَ أن البعض “يتعَاجزون!” عن إيصال أكياس نفاياتهم إلى الحاويات القريبة من بيوتهم، فيضعونها أمام منازلهم، ليأتي عامل الوطن، أعانه الله وشدَّد عزائمه، “لِلَمّ شَمْلِها”، ووضعها في الحاوية. هؤلاء المواطنون يَستحقون أن يتم تحرير المُخَالفات المالية الفورية والأضخم بحقهم، فتصرفاتهم لا ترقى إلى أي سلوك مُسْتَقِيم وسَديد، وهي إساءة لأنفسهم وللوطن أولاً، وللآخرين ثانيًا، ولزوار البلد من عَربٍ وغير عرب. ولهذا أكَرِّرُ، وجوب تخليق حالة أو أشكال أو نمط مختلف من الرقابة للقبض على المخالفين بإلقاء القُمامة في الشوارع وبجانب مكبات النفايات، ويمكن وضع كاميرات مراقبة في تلك المواقع السياحية والتاريخية والأثرية، وفي الحدائق العامة، والغابات، والمَحميات، وبجانب المستشفيات والمدارس والجامعات، وملاصقة لغيرها، فهذه تشهد تجمّعات بشرية كبيرة قد تصبح ناقلة للأوبئة لا قدَّرَ الله.