توازن إقليمي جديد.. كتب محسن الشوبكي

 

في إعلان سياسي تشرين الثاني 2025، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستسمح ببيع طائرات F-35 المتقدمة إلى المملكة العربية السعودية، في خطوة تعكس تحولاً في السياسة الأمريكية تجاه الرياض وتعيد صياغة التوازنات الأمنية في المنطقة. هذا الوعد، الذي جاء قبيل زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن، يمثل تعزيزاً للشراكة الاستراتيجية بين البلدين ويبعث برسالة واضحة بأن السعودية لم تعد مجرد شريك تقليدي، بل قوة إقليمية قادرة على التأثير في معادلات الأمن.

طائرة F-35، المعروفة بقدراتها الشبحية وأنظمتها الإلكترونية المتطورة، تمنح المملكة نقلة نوعية في مجال السيطرة الجوية والردع الاستراتيجي. هذه الطائرات، بقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة وحمل أسلحة متنوعة، ستساهم في حماية المصالح السعودية وضمان أمن تدفق الطاقة العالمي. غير أن أهمية الصفقة لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تحمل أبعاداً سياسية أوسع، إذ تعزز موقع السعودية كلاعب رئيسي في منظومة الأمن الإقليمي وتقلل من اعتماد المنطقة على القوى الخارجية.

انعكاسات الصفقة على الكيان الصهيوني تمثل تحولاً جوهرياً، إذ كانت تل أبيب تحتفظ بتفوق جوي حصري بامتلاكها هذه الطائرات. دخول السعودية إلى نادي F-35 يفرض إعادة تقييم استراتيجي لدى الكيان الصهيوني، ويضعه أمام واقع جديد يفقد فيه احتكاره للتفوق الجوي. هذا التطور قد يُفسر على أنه تهديد مباشر، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام احتمالات لتوازن أكثر استقراراً، حيث يصبح التصعيد أقل احتمالاً في ظل تقارب القدرات بين القوى الإقليمية.

من زاوية العلاقات الدولية، يأتي هذا الإعلان بعد سنوات من فقدان الثقة في الإدارات الأمريكية السابقة، سواء بسبب الاتفاق النووي مع إيران أو الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني الذي تجاهل المصالح العربية. ترامب، بوعده هذا، يسعى إلى إعادة بناء الثقة مع الرياض، لكنه يواجه أيضاً تحديات مرتبطة بمحاولات واشنطن السابقة للحد من تنامي العلاقات السعودية–الصينية، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. الصفقة يمكن النظر إليها كجزء من التنافس الأمريكي–الصيني على النفوذ في الشرق الأوسط، حيث ترى واشنطن أن تعزيز الشراكة مع السعودية هو السبيل للحفاظ على موقعها الاستراتيجي.

الاستنتاج المفترض أن هذه الصفقة لا تعني مجرد تحديث عسكري، بل تعكس إعادة صياغة للعلاقات الدولية في المنطقة. السعودية، بقدراتها الجديدة، ستصبح أكثر تأثيراً في معادلات الأمن، وستفرض نفسها كقوة متوازنة قادرة على لعب دور رئيسي في استقرار الشرق الأوسط. هذا التحول يضع المملكة في موقع متقدم ضمن التوازنات الإقليمية والدولية، ويؤكد أن مستقبل المنطقة لن يُرسم دون مشاركة فاعلة من الرياض.