في لحظة أبكت جميع عمال الإغاثة الذين ينقلون الأسر النازحة من الخيام إلى البيوت، كانت سيدرا تقف مذهولة تبكي وتضحك في آن واحد حيث انطلقت نحو أرجوحة صغيرة وهي لا تصدق أنها لن ترتعش من الخوف والبرد مرة أخرى في خيمة بالية هذا الشتاء!
حيث يواجه ملايين الأطفال أوضاعاً إنسانية صعبة تتفاقم بسبب الحروب والفقر والكوارث البيئية، مما يهدد حقوقهم الأساسية في الحياة، والصحة، والتعليم، والحماية، حيث وتشير التقارير الدولية إلى ارتفاع كبير في أعداد الأطفال المتأثرين بالنزوح وسوء التغذية وانعدام الخدمات الأساسية. ومع هذا التدهور تزداد فجوة الحماية والتمكين للأطفال في المناطق المنكوبة حول العالم حيث تستهدف اليونيسف مساعدة 109 مليون طفل، منهم حوالي 11 مليون طفل من ذوي الإعاقة.
كما يعيش أكثر من 473 مليون طفل (طفل من كل ستة أطفال في العالم) في مناطق متأثرة بالحروب، ففي نهاية العام الماضي تم توثيق حوالي 41 ألف انتهاكاً خطيراً لحقوق الأطفال في النزاعات مثل القتل أو التعذيب، الهجوم على المدارس أو المستشفيات، تجنيد الأطفال وغير ذلك، وهذا أعلى عدد تم تسجيله منذ بدء رصد انتهاكات الأطفال في النزاعات المسلحة، كما أن هناك أكثر من 1 مليار طفل (أي نصف أطفال العالم) يعيشون في بلدان تعاني من مخاطر التغير المناخي، مثل الجفاف، الفيضانات، العواصف، التلوث، مما يهدد أمنهم الغذائي والمائي.
ليسوا أرقاماً.. بل احتياج إنساني عاجل
في اليوم العالمي لحقوق الطفل تواصلنا مع د. عبد الوهاب علاونة المدير الإقليمي في الشرق الأوسط لمؤسسة لايف للإغاثة والتنمية Life For Relief and Development والذي يوضح معاناة الأطفال حول العالم قائلاً: ” نعمل على رصد أوضاع الأطفال المحتاجين في 60 دولة حول العالم على مدار 33 عاماً مضت، فنحن نتكلم الآن عن حوالي 49 مليون طفل نازح، والحروب للأسف هي سبب 80٪ من جميع هذه الأزمات، كما أن هناك 118 مليون طفل يعانون من الجوع القارص، من بينهم 63 مليون طفل في مناطق الحروب، و19 مليون هم لاجئون في مخيمات النزوح في دول غير بلادهم، وهؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقاماً، بل نحن نواجه كوارث إنسانية، فقد أعلنت اليونيسيف رسمياً أن العام 2024 كان من أسوأ السنوات للأطفال في مناطق النزاع، وقد تكون تقارير هذا العام أكثر قسوة!
وعن دور لايف في تخفيف معاناة الأطفال يضيف قائلاً: ” لايف تعمل على كفالة حوالي 13,000 يتيم في 22 دولة حول العالم، حيث ندعمهم بالغذاء والملبس والدعم التعليمي والرعاية الصحية وغيرها من المساعدات، كما تعمل لايف على دعم سبل عودة الطلاب لصفوفهم الدراسية في الدول النامية والفيرة، وتقدم أيضاً سبل الرعاية النفسية والدعم من خلال حفلات الأيتام والهدايا الموسمية لمئات من دور الأيتام حول العالم، وهذا يعتبر تعد من أكثر الوسائل الفعّالة لتمكين الأطفال والمجتمعات من الخروج من دائرة الفقر حيث نركز على تغيير حياة الأطفال لصناعة قادة المستقبل بهذا الدعم العاطفي والنفسي لبناء روابط عالمية، ومنح الأطفال والمجتمعات الأمل في التعايش”.
أطفال مخيمات الإيواء ومراكز النزوح … ناقوس الخطر
وعن برامج رعاية الأطفال في مخيمات النزوح نعيم روحاني مدير مكتب لايف أفغانستان: ” تعتمد لايف في برامجها بشكل عام على توفير دعم مستدام يلبي الاحتياجات الأساسية للأيتام ثم الاحتياجات التنموية طويلة الأمد، ويشمل ذلك ضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المأوى والتعليم والرعاية الصحية والدعم النفسي الاجتماعي، خصوصًا في ظل الأزمات الحالية من خلال دمج الاستجابة الطارئة مع التنمية المستدامة في جميع برامجنا.
ويتفق معه م.مبروك شبيل مدير مكتب لايف اليمن قائلاً: ” هناك ارتباط وثيق بين الأيتام، ومخيمات اللاجئين، والنازحين في مختلف البلدان. فكثير من الأطفال الأيتام هم لاجئون، أو نازحون نتيجة الحروب، أو الكوارث الطبيعية، لذلك تهدف برامجنا إلى اعتماد نهج شامل يستجيب لاحتياجات الأطفال الأيتام ضمن السياق الأوسع للنزوح، بما يشمل الدعم المتكامل في مجالات التعليم، والصحة النفسية، وتتبع الأسرة، وخدمات الحماية، بالإضافة إلى التعاون مع الشركاء المحليين والدوليين لضمان الاتساق وجودة الرعاية عبر الحدود.
السودان وبورما أكبر موجهة نزوح للأطفال حول العالم
أما السودان فقد عملت لايف على دعم أطفالها داخل البلاد، وتتبعت النازحين منهم إلى مصر وتشاد وأثيوبيا وغيرها من الدول حيث تقول سيدرا بكير منسقة مشروعات لايف السودان: ” تضاعف عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية إلى 15 مليون طفل هذا العام في السودان، وهناك انتهاكات جسيمة ضد الأطفال بالإضافة إلى بدء انتشار المجاعة مع الحصار في الفاشر، والنزوح لمناطق ما زالت تخضع للحرب، تشير التقارير إلى إن نحو 90٪ من الأطفال في مناطق النزاع هم خارج المدارس، كما أن أكثر من 15٪ من الأطفال في هذه المخيمات يعانون من نوع من سوء التغذية الحاد، ومع قلة المساعدات الإغاثية سوف يتعرض 14 مليون طفل إضافي لخطر انقطاع الدعم الغذائي بنهاية هذا العام كما أشارت اليونيسيف”.
ومن بورما يقول محمد إسلام منسق مشروعات لايف هناك: ” 6.4 مليون طفل في مخيمات الإيواء يحتاجون للإغاثة العاجلة، يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية، التعليم، والتطعيمات المنتظمة، حيث يعيشون في مخيمات مكتظة تفتقر إلى الغذاء الكافي والمياه النظيفة والخدمات الصحية. كما يواجه الأطفال صعوبة كبيرة في الوصول إلى التعليم بسبب تدمير المدارس أو تحويلها إلى مراكز إيواء، و5 ملايين طفل لا يحصلون على التعليم، فحوالي 55٪ من الأطفال في ميانمار يعيشون في فقر مدقع، معدل الوفيات للأطفال دون سن الخامسة في بورما يبلغ 40 وفاة لكل 1,000 مولود حي؛ وهو من أعلى المعدلات في جنوب شرق آسيا.
تضافر لأجل أطفال غزة
ومن غزة والضفة الغربية جاءت رسائل الأطفال والأيتام لهناك لتبعث بعضاَ من الأمل، حيث عملت لايف على دعمهم بجميع الاحتياجات العاجلة من الإيواء والغذاء والماء النظيف والأدوية والطعام المدعم بالفيتامينات والملابس الثقيلة والتعليم وتوفير متخصصين لبرامج الدعم والتأهيل النفسي.
كما أنشأت أكاديمية لايف التعليمية، ومخيمات التعليم بداخل مخيمات الإيواء، والتي تهافت عليها أطفال المراحل الابتدائية والاعدادية، حيث يقول أبو صهيب منسق مشروعات لايف غزة: “الأطفال في مخيمات النزوح هم من الفئات الأكثر ضعفًا، لأنهم يفتقدون الأمان الكامل وغالبًا ما يعيشون في بيئات مؤقتة أو غير مستقرة.
ومشروعنا عمل على من خلال بناء 30 خيمة تعليمية لخدمة حوالي2700 طالب، و66 طفل في مرحلة رياض الأطفال في مناطق شمال غزة، وغزة، والمنطقة الوسطى، ورفح، وخانيونس، وبالتأكيد فإن التزام لايف تجاه الأيتام حول العالم يبقى ثابتاً، حيث تعمل الإدارة لضمان ألا تأتي زيادة الجهود في منطقة معينة على حساب مناطق أخرى، بل نسعى لتعزيز استراتيجية رعاية جمع الأيتام وعدم التخلي عنهم.
طفولة سعيدة … حقهم الأساسي!
وكان للأطفال رغم آلامهم أملاً بالتشبث في الحياة فمن سيراليون تقول هجرة 9 سنوات: “توفير مياه الشرب النظيفة، والطعام المدعم بالفيتامينات حماني من الحقن الأسبوعية التي كنت أضطر للحصول عليها بسبب المرض، وأنا سعيدة لأجل ذلك.
ويتفق معها يامن 12 عاماً من غزة قائلاً:” لم تكن لي أمنية في الحياة سوى ألا أتحمل وحدي مسئولية أخوتي التسعة، وألا أنام جائعاً في هذا البرد القارس، فقد وفرت لي لايف حقي لأجل ذلك بعد أن مات أبي وأمي”.
ومن السودان كانت فاطمة 10 سنوات قلبها يتقطع بسبب بكاء أمها الحامل أثناء النزوح إلى مصر حيث تقول: ” وفرت لايف لأخوتي الاثنين في بطن أمي الفيتامينات والطعام اللذيذ والماء ومأوى آمن، لذلك هدأ قلبي معها”.
ومن العراق يضيف زيد 14 عاماً: ” عودتي للتعليم كان حلم حياة بسيط، وسعادتي الأبدية”.
أما ميهرا 8 سنوات من باكستان فقد كان أثر خوف الفقد يملأ وجهها حيث عبرت عن سعادتها فقط بحضن دافئ لمن أهداها ملابسها الجديدة وطرد غذائي وألعاب!