خلال الشهر الماضي، أحبطت القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية أكثر من خمس عشرة عملية تهريب جوي وبري، صادرت ملايين الحبوب المخدرة، وأسقطت بالونات موجهة وطائرات مسيرة، ومنعت تدفق بضائع كان سعرها السوقي يتجاوز ثمانين مليون دولار.
هذا الأداء الدقيق يعكس ارادة سياسية بقيادة الملك عبدالله الثاني ودعما شعبيا وتحولاً استراتيجياً في مكافحة التهريب، خاصة مع التعاون العملياتي المشترك مع الجانب الرسمي السوري، الذي أسفر عن تنفيذ عمليات أمنية ناجحة في أوائل تشرين الأول 2025، حيث أحبطت سبع محاولات مشتركة وصادرت نحو مليون حبة كبتاجون، وهي أول عملية كبرى منذ سقوط نظام بشار الأسد.
هذا التعاون حقق نتائج إيجابية فورية، من خلال تفكيك شبكات تهريب عابرة للحدود وتبادل معلومات استخباراتية يومي، مما قلل من تدفق المخدرات عبر المناطق الحدودية الشمالية بنسبة ملحوظة.
في الوقت نفسه، يبرز تزايد أداء العصابات الإجرامية في الكيان الصهيوني، التي استغلت بؤر التوتر في جنوب سوريا لتعزيز عملياتها، مستخدمة طائرات مسيرة معدلة ومركبات خفيفة لنقل الحمولات عبر وادي عربة، مع الاستفادة من الفراغ الأمني الناتج عن النزاعات المستمرة.
المصدر الأساسي لهذه الموجة يظل معامل صغيرة أعيد تشغيلها في المناطق المجاورة بعد الفراغ الأمني إثر سقوط الأسد، وتديرها ميليشيات مسلحة ذات عقيدة سياسية-عسكرية تستخدم أرباح الكبتاغون والكريستال لشراء الأسلحة ودفع الرواتب وتجنيد عناصر جديدة.
علماً أن التقديرات الاستخباراتية الدولية تشير إلى أن (35 – 45 ٪) من العائدات تذهب مباشرة إلى خزائن هذه الميليشيات، مما يجعل المخدرات بديلاً عن التمويل الخارجي المتضاءل.
تعمل شبكات إجرامية منظمة في دول المنطقة بتنسيق مع هذه الميليشيات، مستخدمة بالونات هيليوم مزودة بنظام تحديد مواقع وشحنات مخفية داخل مواد بناء أو زراعية، لتحويل الأردن إلى ممر عبور نحو أسواق ربحية.
هنا يأتي دور القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية في قطع هذا الشريان الحيوي عبر رصد جوي متقدم وعمليات استباقية، مما يحرم الميليشيات من ملايين الدولارات المخصصة لتمويل أنشطتها العسكرية والإرهابية، ويضعف قدرة العصابات على التوسع.
إن استمرار التعاون الأردني-السوري، مع الضغط على بؤر التوتر في جنوب سوريا، سيؤدي إلى تراجع قدرة الميليشيات على تمويل أعمالها خلال الأشهر المقبلة، وسيجبر العصابات الإجرامية في الكيان الصهيوني على اللجوء إلى طرق أكثر كلفة ومخاطرة. الأردن، بهذا النهج، يحمي حدوده ويساهم في استقرار المنطقة بأكملها.