الحرب في الظل: سباق التسلح بين طهران والكيان الصهيوني..كتب محسن الشوبكي

 

تشهد المنطقة سباقاً متسارعاً بين إيران والكيان الصهيوني، حيث تتجه طهران إلى بناء قوة صاروخية وهجومية غير مسبوقة، فيما تستعد تل أبيب لاحتمال مواجهة طويلة تتجاوز نمط الضربات المحدودة الذي ساد في السنوات الماضية. هذا التصعيد يضع الشرق الأوسط أمام مرحلة جديدة، أكثر حساسية وأصعب في احتوائها.

المؤشرات المتاحة تكشف أن إيران لم تعد تركز على تعزيز قدرة الردع فحسب، بل تعمل على امتلاك قوة هجوم قادرة على إغراق الدفاعات الصهيونية بعدد كبير من الصواريخ الباليستية والمجنّحة. هذا التحول يفرض واقعاً جديداً يجعل أي حرب مقبلة أكثر تعقيداً. وفي المقابل، يدرك الكيان الصهيوني أن الضربات السريعة لن تكون كافية، ما يدفعه إلى رفع مستوى استعداداته لاحتمال حملة عسكرية ممتدة تحتاج إلى دعم أمريكي واسع على مستوى المعلومات والتسليح.

التوقيت يبقى عاملاً حاسماً في حسابات الطرفين. فإيران تسعى لاستكمال جاهزيتها وإغلاق الثغرات التي ظهرت في جولات سابقة، بينما تخشى تل أبيب اقتراب طهران من مرحلة متقدمة في برامجها النووية أو الصاروخية، قد تجعل أي عمل عسكري أقل جدوى. وفي حال تصاعدت عمليات القوى الحليفة لإيران في الإقليم، فقد يشكل ذلك الشرارة التي تسرّع المواجهة.

التحضيرات الإيرانية تشير إلى أن الجولة المقبلة لن تشبه أي مواجهة سابقة. فقد بنت طهران مدناً صاروخية تحت الأرض، ورفعت مستوى الدفاعات الجوية حول منشآتها الحساسة، وشددت إجراءاتها الأمنية. وهذا يجعل قدرة الكيان الصهيوني على تنفيذ ضربة جوية تشل القدرات الإيرانية أمراً بالغ الصعوبة، ويحول أي حرب إلى معركة استنزاف طويلة تتطلب جهداً استخبارياً وعملياتياً كبيراً.

ولا تقتصر معادلة الصراع على الطرفين فقط. فواشنطن تدرك أن أي حرب واسعة ستفتح أكثر من جبهة وتعرض مصالحها للخطر، ما يجعلها تسعى لاحتواء اندفاع الحكومة الصهيونية، أو على الأقل ضبط إيقاع أي مغامرة عسكرية. أما روسيا والصين فتراقبان المشهد، وقد تستغلان أي تصعيد لإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية على حساب النفوذ الأمريكي.

القوى الحليفة لإيران في لبنان والعراق وسوريا واليمن تشكل جزءاً أساسياً من الحسابات. فدورها لم يعد مقتصراً على الضغط العسكري، بل قد يمتد إلى فتح جبهات متزامنة تشتت التركيز الصهيوني وتضغط على القوات الأمريكية في المنطقة، مما قد يحول المواجهة إلى صراع إقليمي واسع متعدد المسارات.

وأظهر الهجوم الصهيوني الأخير على إيران تحديات ثقيلة للطرفين؛ فطهران واجهت ضغوطاً على منظوماتها الدفاعية واقتصادها المتعب أساساً، فيما يزداد الاحتقان الاجتماعي تجاه كلفة التصعيد. وفي المقابل، يجد الكيان نفسه أمام مخاطر ردود إيرانية متدرجة قد ترهق جبهته الداخلية واقتصاده وتحدّ من خياراته العسكرية تحت ضغط الحلفاء. غير أن الأهم هو أن أي مغامرة عسكرية جديدة ستدفع المنطقة بأكملها نحو اضطراب واسع، يمتد من الخليج إلى البحر الأحمر، حيث قد تتعرض طرق التجارة الدولية والسفن لتهديدات مضاعفة تزيد من كلفة الصراع على الجميع.

أما التسريبات الصهيونية حول حجم القدرات الإيرانية، فهي تحمل رسائل متشعبة؛ فهي من جهة محاولة لإعداد الرأي العام الصهيوني لأي سيناريو صعب، ومن جهة أخرى وسيلة للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا ودول المنطقة للتشدد تجاه طهران. لكنها أيضاً جزء من حرب نفسية تهدف إلى تشكيل بيئة مهيأة لتبرير أي قرار عسكري.

في المحصلة، تقف المنطقة أمام احتمال مواجهة هي الأخطر منذ سنوات، حيث لم تعد المسألة مجرد تبادل ضربات محدودة، بل صراع على إعادة رسم ميزان القوى. الخيارات أمام الطرفين تضيق، والتوازن بين الردع والمغامرة يزداد هشاشة، ما يجعل أي خطأ في الحسابات كفيلاً بدفع المنطقة إلى حرب طويلة وغير مضمونة النتائج.